الاسمين : «الرّحمن» ، «الرّحيم» دون غيرهما ، إشارة إلى أنّ الإنعام والإحسان المثمرين للحمد والشكر هما من توابع هذين الاسمين ؛ فإنّه لو لا الرحمة وسبقها الغضب لم يكن وجود الكون ، ولا ظهر للاسم «المنعم» و «المحسن» وأخواتهما عين ، ولهذا كان الاسم «الرّحمن» تلوا في الحيطة والحكم والتعلّق والجمعيّة للاسم «الله».
فعرّف سبحانه بهذين الاسمين هنا أنّ لوصول إنعامه طريقين ، وأنّ إنعامه على قسمين ، فإحدى الطريقين سلسلة الترتيب ومرتبة الأسباب والوسائط والشروط ، والطريق الأخرى مرتبة رفع الوسائط ، وما ذكروا (١) الإنعام من الوجه الخاصّ الذي ليس للأسباب والأكوان فيه حكم ولا مشاركة. وقد نبّهت على ذلك غير مرّة.
وأمّا القسمان فالعموم والخصوص ، فالعموم للوجود المختصّ بالرحمن ؛ فإنّ الرحمة كما بيّنّا نفس الوجود ، والغضب يتعيّن بالحكم العدمي اللازم للكثرة (٢) الإمكانيّة ، والسبق هو الترجيح الإيجادي. والرحمن اسم للحقّ (٣) من كونه عين الوجود ؛ فإنّ أسماء الحقّ إنّما تنضاف إليه بحسب الاعتبارات المتعيّنة بالآثار والقوابل ، ولهذا كثرت مع أحديّة المسمّى.
ولمّا كان التخصيص حكما من أحكام العموم وفرعا عليه ، اندرج الاسم «الرّحيم» في «الرّحمن» ولمّا كانت الألوهيّة ـ من حيث هي ـ مرتبة معقولة لا وجود لها ، وكانت من حيث الحقّ المنعوت بها والمسمّى لا تغايره ؛ لما بيّنّا أنّ الاسم من وجه هو المسمّى ، كان الاسم «الله» جامعا للمراتب والموجودات ، وكان «الرّحمن» أخصّ منه ؛ لدلالته على الوجود فحسب ، واختص الاسم «الرّحيم» بتفصيل (٤) حكم الوجود وإظهار تعيّناته في الموجودات.
فإن فهمت ما بيّنته لك ، وتذكّرت ما أسلفته في شرح هذين الاسمين وسرّ الاستواء وسرّ العرش والكرسي ، تحقّقت بمعرفة هذه الأسماء ، واستشرفت على كثير من أسرارها.
ثم نقول : وكلّ شيء فلا بدّ وأن يكون استناده إلى الحقّ من حيث المرتبة أو (٥) الوجود جمعا وفرادى ، فلهذا عبّر (٦) سبحانه بهذين الاسمين في مرتبة التقدم والرئاسة على باقي
__________________
(١) ق ، ه : وما ذكر و.
(٢) ق : لكثرة.
(٣) ق : الحق.
(٤) ب : بتخصيص.
(٥) ب : و.
(٦) ق : عين.