الأسماء ، فقال عزوجل : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى). (١).
ثمّ اعلم ، أنّ الرحمة حقيقة واحدة كلّيّة ، والتعدّد المنسوب إليها ، المشار إليه في الحديث «بأنّ لله مائة رحمة» راجع إلى مراتبها ، واختصاصها بالمائة إشارة إلى الأسماء الكلّيّة المحرّض على إحصائها ، وهكذا الأمر في الدرجات الجنانيّة ، فما من اسم من أسماء الإحصاء إلّا وللرحمة فيه حكم ؛ فإنّ الأسماء ـ كما بيّنّا ـ من وجه عين المسمّى ، والمسمّى هو الرحمن الذي له الوجود المطلق ، وقد عرفت ممّا أسلفنا أنّ الأسماء لا يظهر حكمها إلّا بمظاهرها ، ومظاهرها إذا لم تعتبر من حيث وجودها كانت نسبا عدميّة أيضا ، ولا اعتبار للنسب إلّا بالوجود ، فحكم الأسماء والأعيان التي هي المظاهر تابع للوجود ، وهذا من سرّ عموم حكم الاسم «الرّحمن» الذي نبّهنا عليه.
فالرحمة الواحدة المرسلة إلى الدنيا هي النسبة الجامعة من نسب الرحمة ظهرت في الموطن الجامع ؛ لما بيّنّا من أنّ تجلّي الحقّ وحكم أسمائه يتعيّن في كلّ حال ووقت وموطن بحسب القوابل والأحكام المختصّة بها.
والتسعة والتسعون رحمة هي عبارة عن مراتب الرحمة وأحكامها في أسماء الإحصاء فالنسبة الجامعة تظهر حكم الرحمة من الوجه الكلّي ، وبالأسماء المذكورة تظهر أحكامها التفصيليّة ، وبأحديّة جمعها يظهر في آخر الأمر سرّ سبقها للغضب.
وقد بيّنّا غير مرّة أنّ الآخر نظير الأوّل ، بل هو عينه خفي بين الطرفين ، لتداخل أحكام النسب المتعيّنة بين البداية والنهاية ، ثم تكمّل حكم الأوليّة في آخر الأمر ، فتظهر له الغلبة في النهاية ، فإنّ الحكم في كلّ أمر هو للأوّليّات ، ولكن بسرّ الجمع كما أشرت إلى ذلك مرارا ، فإذا كان يوم القيامة ، وانضافت هذه النسبة الجامعة إلى التسعة والتسعين المتفرّعة في الأسماء ، وانتهى حكم الاسم «المنتقم» و «القهّار» وأخواتهما ، ظهر سرّ سبق الرحمة الغضب في أوّل الإنشاء (٢) ، فافهم.
ولمّا كانت الموجودات مظاهر الأسماء والحقائق ، وكان الإنسان أجمعها وأكملها ،
__________________
(١) الإسراء (١٧) الآية ١١٠.
(٢) ق : الأشياء.