ذلك الأصل ترجع وإلى الحقّ من حيث ذلك الأصل تستند.
والتكليف من جملة الحقائق وأنّه ظهر بين أصلين ، هما (١) له كالمقدّمتين أو كالأبوين ، كيف قلت ، وهكذا كلّ أمر يظهر في مراتب التفصيل فإنّه لا بدّ وأن يكون ظاهرا بين أصلين في إحدى حضرات النكاحات الخمسة المذكورة من قبل.
فالأصلان الأوّلان : حضرة الوجوب والإمكان أو قل : حضرة الأسماء والأعيان كيف شئت ، والنكاحات قد مرّ حديثها.
وأنت متى رجعت (٢) إلى (٣) ما أسلفناه في بدء الإيجاد وسرّه وسرّ الوحدة (٤) ، تذكّرت (٥) ما بيّنّا من أنّ الأحديّة لا تقتضي إظهار شيء ولا إيجاده ، وأنّ الحقّ من حيث ذاته وأحديّته غنيّ عن العالمين ، لا يناسب شيئا ، ولا يرتبط به ، ولا يناسبه أيضا شيء ، ولا يتعلّق به ، فإنّ التعلّق والمناسبة إنّما ثبتا من جهة المراتب بحكم التضايف الثابت بين الإله والمألوه ، والخالق والمخلوق ، وغير ذلك ممّا هو واقع بين كلّ متضايفين وكلّ مرتبتين هذا شأنهما ، وقد مرّ أنّ الأثر لا يصحّ بدون الارتباط ، والارتباط لا يكون إلّا للمناسبة ، فتذكّر تفصيل ما ذكر في ذلك ، ففيه غنية عن التكرار ، والله المرشد.
ثم نرجع ونقول : فالأصل الواحد الذي يستند إليه التكليف هو الإيجاب الإلهي ، المختصّ بذلك الجناب ، وهو إيجاب ذاتي منه عليه قبل أن يظهر للغير عين ، أو يبدو لمرتبته (٦) حكم.
ولسان مقام هذا الأصل هو الناطق في الكتاب العزيز بقوله تعالى : (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) (٧) وبقوله (وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) (٨) وبقوله (وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي) (٩) و (كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا) (١٠) و (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَ) (١١) ونحو ذلك. في الأخبار النبويّة
__________________
(١) ق : فيما.
(٢) ق ، ه : راجعت.
(٣) ق : لا توجد.
(٤) ه : الواحدة.
(٥) ه : تذكرة.
(٦) ه : لمرتبة.
(٧) الأنعام (٦) الآية ٥٤.
(٨) غافر (٤٠) الآية ٦.
(٩) السجدة (٣٢) الآية ١٣.
(١٠) مريم (١٩) الآية ٧١.
(١١). ق (٥٠) الآية ٢٩.