«وجبت محبّتي للمتحابّين فيّ» (١) الحديث «وإنّ حقّا على الله أن لا يرفع شيئا من هذه الدنيا إلّا وضعه» ونحوه ممّا يطول ذكره.
والأصل الآخر ـ الذي منه نشأ التكليف ، وبه ظهر سرّ المجازاة بما لا يوافق من بعض الوجوه ـ هو أنّ التجلّي الوجودي المقتضي إيجاد العالم ـ وإن شئت قل : الوجود الفائض من ذات الحقّ على حقائق الممكنات ـ له الإطلاق التامّ عن سائر القيود الحكميّة والصفات التعيّنية (٢) المتكثّرة الإمكانيّة ، ومن حيث انطباعه في أعيان الممكنات ـ أو قل : اقترانه أو انبساطه عليها ، وظهوره بحسب مراتبها الذاتيّة واستعداداتها ، كما بيّن لك من قبل ـ أضيفت إليه ـ أي إلى الوجود المنبسط المذكور ـ الأوصاف المتعدّدة المختلفة ، وتقيّد بالأحكام والأسماء والنعوت تقيّدا غير منفكّ عنه ، بحيث استحال تعقّله وإدراكه مجرّدا عنها جميعها ، بل قصارى الأمر التجرّد عن أكثرها. وأمّا عن جميعها بالكلّيّة فمحال إلّا بالفرض ، وأنهى الأمر الانتهاء إلى قيد واحد إضافي ، هذا في أعلى مراتب الإطلاق.
فلا جرم اقتضت الحكمة العادلة وحكم الحضرة الجامعة الكاملة ظهور سرّ المجازاة ، ووضعه بسرّ المناسبة والموازنة المحقّقة ، فظهر التكليف الإلهي للعباد كلّهم ، وكلّ ما سواه عبد ، فتعيّنت القيود الأمريّة والأحكام الشرعيّة ، في مقابلة ما عرض للوجود من التقيّدات العينيّة وأحكام المراتب الكونيّة الإمكانيّة والعبادات المقرّرة على نمط خاصّ في مقابلة ما يختصّ كلّ موطن وعالم وزمان ونشأة وحال به من الأحكام ، وتقتضيه بحيث لا يمكن تعيّن الوجود فيه ، ولا ظهور الحقّ وتصرّفه إلّا بحسبه ، فتقرّرت العبادات ـ كما قلنا ـ في أهل كلّ عالم أيضا ودور ووقت خاصّ وموطن ونشأة وحال ومزاج ومرتبة بحسب ما يقتضيه حكم الحال والزمان وما ذكر ، وبحسب الصفات اللازمة لكلّ ذلك أيضا ، وثبت ذلك جميعه في الكائنات ، كثبوت الحكم المذكور (٣) آنفا هناك لا جرم لو انتهى الإنسان ـ الذي هو الأنموذج لجميع الممكنات والنسخة الجامعة لخصائصها وحقائقها ـ في أمره وحاله وترقّيه إلى أقصى مراتب الإطلاق ، علما وشهودا ، وحالا ومقاما ، وتجريدا
__________________
(١) جامع المسانيد ، ج ١٠ ، ص ١٣ ـ ١٤.
(٢) في بعض النسخ : العينيّة.
(٣) في بعض النسخ : لمذكور.