وتوحّدا ، فإنّه لا يتّصف بالحرّيّة التامّة الرافعة لجميع الاعتبارات والنسب والإضافات وأحكام القيود أصلا ، بل ولو ارتقى ما عسى أن يرتقي بحيث تسقط عنه الأحكام التقييديّة الإمكانيّة والصفاتيّة الأسمائيّة أيضا بعد سقوط التكليفات الأمرية عنه وخروجه عن حصر الأحوال والنشآت والمواطن والمقامات ، فلم يحصره عالم ولا حضرة ولا غيرهما ممّا ذكرنا (١) لا بدّ وأن يبقى معه حكم قيد واحد إمكاني في مقابلة القيد الاعتباري الثابت في أنهى مراتب الإطلاق للوجود المطلق.
وهذا القيد الباقي للإنسان هو حظّه المتعيّن من غيب الذات ، الذي قلنا غير مرّة : إنّه لا يتعيّن لنفسه من حيث هو إلّا بأمر ، ولا يتعيّن فيه لنفسه شيء ، فتعيّنه ـ أي تعيّن الغيب المذكور ـ هو بحسب ما به ظهر متعيّنا وهو حاله المسمّى فيما بعد بالممكن ، فافهم.
وبهذا التعيّن يظهر سرّ ارتباط الحقّ بالإنسان وارتباط الإنسان به ، من حيث يدري الإنسان ومن حيث لا يدري. ولما ذكرنا توقّف تعقّل الوجود المطلق على نسبة أو مظهر يفيد التمييز ولو غيبا لا عينا ، كتوقّف ظهور العين ـ التي هي شرط في التعقّل ـ على الوجود.
وأمّا عدم شعور قوم من أهل الشهود الحالي هذا التمييز فلا ينافي ثبوته في نفسه ؛ فإنّ الكمّل والمحقّقين من أهل الصحو ـ المخلصين من ورطة السكر والمشاهدات المقيّدة عند استقرارهم من وجه في مركز مقام الكمال الإحاطي الجمعي الأحدي الوسطي ، المعاينين من أطراف المحيط وأهلها ما خفى عن المنحرفين ـ يحكمون بما ذكرنا.
ثم نقول : ولكلّ واحد من هذين القيدين : قيد الوجود ، وقيد الإنسان حكم نافذ ثابت يعطي آثارا جمّة يعرفها الأكابر ، ويشهدونها من أنفسهم ومن سواهم وفي أحوالهم ، فيعرفون من الناس ـ بل ومن الأشياء كلّها ـ ما لا يعرفه شيء من نفسه ، فضلا عن أن (٢) يعرفه من سواه.
وأمّا أحكام (٣) التكاليف والقيود اللازمة لها فتتفاوت في الخلق بالقلّة والكثرة ، والدوام وعدم الدوام ، بحسب القيود المضافة إلى الوجود من جهة كلّ فرد من أفراد الخلق. فمن كانت
__________________
(١) ق : ذكر.
(٢) ق : أنّه.
(٣) ه : حكام.