مرآة عينه الثابتة في ضرب المثل أقرب إلى الاعتدال والاستدارة وصحّة الهيئة والشكل ، متناسبة الأحوال والصفات ، والقوى والأحكام ، بحيث لا تظهر في الأمر المنطبع فيها ، والظاهر بها حكما مخالفا لما يقتضيه الأمر في نفسه لذاته من حيث هو ، كان أقلّ المجالي تكليفا ، وأتمّها استحقاقا للمغفرة الكبرى ، التي لا يعرفها أكثر المحقّقين ، وأقربها نسبة إلى الإطلاق ، وأسرعها انسلاخا عن الأحكام الإمكانية والصفات التقييديّة ، ما عدا القيد الواحد المنبّه عليه ، كنبيّنا محمد صلىاللهعليهوآله ، ثم الكمّل من عباد الله من الأنبياء والأولياء.
ولهذا وغيره قيل له : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) (١) وأبيح له ولمن شاء الله ما حجر على الغير.
وصاحب (٢) هذه المرآة التامّة هو العبد المحقّق ذو القدم القديم ، والفضيلة الذاتيّة الأزليّة ، الذي لم يؤثّر ـ بنقص القبول ـ في صورة كلّ ما تجلّى فيه خداجا ولا نقصا وتغيّرا ، ولا أكسب الأمر المنطبع فيه وصفا متجدّدا لم يكن ثابتا له أزلا سوى نفس التعيّن بحسب القيد الواحد ، الذي لا مندوحة عنه ، بخلاف غيره ، فهو ـ أعني هذا العبد ـ يحاذي ويقابل كلّ شيء بالطهارة الصرفة ، ليظهر كلّ من شاء بما هو عليه في نفسه ، وكلّ من هذا شأنه فإنّه يحفظ على كلّ شيء صورته الذاتيّة الأصليّة على نحو ما كانت مرتسمة في ذات الحقّ ، ومتعيّنة في علمه أزلا مادام محاذيا له ، فإن انحرف عن كمال المسامتة ـ لاقتضاء حكم حقيقة الانحراف ـ فلا يلومنّ إلّا نفسه «من وجد خيرا ، فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلّا نفسه».
انظر ما الذي أخبرك عليهالسلام عن ربّه أنّه قال لك ، وافهم عنه ، وقد أخبرتك أنّك من وجه مرآة وجوده ، وهو مرآة أحوالك ، وقد كرّرت (٣) وربما زعمت أنّي طوّلت ، فاذكر فو الله لقد أو جزت واختصرت ، لو (٤) عرفت ما ذكرت لك ، لطار قلبك ودهش لبّك ، ولكن والله ما أراك تفهم مقصودي وأنت معذور ، كما أنّي في التلويح بهذا القدر من هذا المقام مجبور ومأمور ، (٥)
__________________
(١) الفتح (٤٨) الآية ٢.
(٢) ق : فصاحب.
(٣) ق : فكررت.
(٤) ق ، ه : ولو.
(٥) ق : لا توجد.