هذا اللسان الجمعي ، فنقول :
الاشتقاق المنسوب إلى هذا الاسم راجع إلى المعنى المتشخّص منه في أذهان المتصوّرين ، لا إلى حقيقته ؛ لأنّ أحد شروط الاشتقاق أن يكون المعنى المشتقّ منه سابقا على المشتقّ وهذا لا يصحّ في حقّ (١) شيء من الحقائق ؛ فإنّ للحقائق ـ وخصوصا لهذا الاسم ـ التقدمة على سائر المفهوم والمفهومات المتصوّرة ، وقد كان ثابتا لمسمّاه (٢) قبل وجود التصوّر والمتصوّرين لمعنى الألوهيّة (٣) مطلقا ومقيّدا ، فكيف يصحّ فيه الاشتقاق المعلوم؟! وأمّا اختصاصه بهذه الحروف دون غيرها فذلك لسرّ يعرفه من يعرف أسرار الحروف ، ومراتب روحانيّتها ، فيعلم سعة دائرة حروف هذا الاسم ، وحكم بسائطها وعظم أفلاكها ، ومناسبتها لما وضعت بإزائه ، وأنّ هذا اللفظ أتمّ تأدية للمعنى الذي وضع له ، وأقرب مطابقة من غيره من الأسماء اللفظيّة المركّبة من غير هذه الحروف عند من أدرك مدلول هذا الاسم وتصوّره في أنهى مراتب الإدراك وأعلى مراتب التصوّر.
واعلم ، أنّ الأتمّ شهودا وعلما بكلّ منادى ومدعوّ ومذكور ومسمّى هو أصحّ الموجودات تصوّرا له ، والأصحّ تصوّرا أصحّ استحضارا ، والأصحّ استحضارا ـ بعد صحّة التصوّر ـ أتمّ احتظاء بإجابة المدعوّ والمنادى عند ذكره أو التوجّه إليه أو الطلب له أو منه.
وأمّا ما غاب من حروف هذا الاسم في مرتبتي التلفّظ والكتابة فإشارة إلى ما بطن من المسمّى به وما لا يقبل التعيّن منه في عالم الشهادة والغيب المقابل له ، فافهم.
وأمّا (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) فهو في ذوق هذا المقام المتكلّم فيه اسم مركّب ، فلا يخلو كلّ منهما عمّا تضمّنه الآخر ، فبعموم الحكم الرحماني ـ الذي هو الوجود ـ ظهر التخصيص العلمي ، ثم الإرادي المنسوب إلى الرحيم ، فبه تعيّنت الحصص الغيبيّة صورا وجوديّة ، كما أنّه بالرحيم ظهر الوجود الواحد متعدّدا بالموجودات العينيّة.
(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) تعريف بأطلق مراتب الثناء وأوسعه ، وبأوّل تعيّنات مطلق
__________________
(١) ق : وهذا لا يصحّ في حقّ هذا الاسم ولا في حقّ شيء من الحقائق.
(٢) ق : مسمّاه.
(٣) ق : الألوهة.