المحقّقين من أرباب اللسان من الإعراب ، كما لا محلّ للكاف في «أرأيتك» وليست بأسماء مضمرة مقصودة. وما حكاه الخليل عن بعضهم أنّه «إذا بلغ الرجل الستّين فإيّاه وإيّا الشوابّ» فشاذّ لا يعوّل عليه.
و «العبادة» في اللغة : أقصى (١) غايات الخضوع والتذلّل ، ومنه ثوب ذو عبدة إذا كان في غاية الصفاقة وقوّة النسج. كأنّه إشارة إلى قبوله الانفعال والتأثير القوي. وأرض معبّدة : مذلّلة.
وأمّا سرّ باطن ظاهر (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) الآية ، هو أنّه لمّا ذكر الحقيق بالحمد ، وأجرى عليه صفات العظمة والجلال ، ونعته بنعوت الكمال ، تعلّق العلم أو الذهن بمتصوّر عظيم الشأن ، جدير بالثناء وغاية الخضوع والاستعانة به في المهمّات ، فخوطب ذلك المعلوم أو المتصوّر المتميّز ، بتلك الصفات حين تعيّن مرتبته وصورة عظمته في ذهن المناجي ، بحسب معتقده فيه الذي عليه يترتّب إسناد تلك الصفات إليه.
وقيام المناجي حالتئذ في مقام العبوديّة المقابلة للربوبيّة المستحضرة له عقيب ذلك بإيّاك نعبد يا من هذه صفاته ، إشارة إلى تخصيصه بالعبادة وطلب الاستعانة منه ، أي لا نعبد غيرك ولا نستعينه اقتصارا عليه وانفرادا له وليكون الخطاب أدلّ على أنّ العبادة لذلك المتميّز (٢) بذلك المتميّز الذي لا تتحقّق العبادة إلّا به وإقران العبادة بالاستعانة للجمع بين ما يتقرّب به العباد إلى ربّهم وبين ما يطلبونه ويحتاجون إليه من جهته. وتقديم العبادة على الاستعانة كتقديم الوسيلة على طلب الحاجة ؛ رجاء الإجابة (٣) ، كما نبّه سبحانه على ذلك بقوله : (إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ) (٤) الآية وإطلاق الاستعانة لتناول كلّ مستعان به.
وبعد أن ذكرنا في هذه الآية ما استدعاه ظاهر مقامها من إلماع بطرف من الباطن ، فلنرق منه إلى ما فوقه ، ولنذكّرك أوّلا أيّها المتأمّل بما أسلفناه قبل في حقيقة الذكر والحضور ، في بيان سرّ جواب الحقّ عبده التالي المصلّي حين قوله : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) : «ذكرني
__________________
(١) ه : أقضى.
(٢) ق : التميّز.
(٣) ق : للإجابة.
(٤) المجادلة (٥٨) الآية ١٢.