عبدي» الحديث ؛ لمسيس الحاجة إليه هاهنا. ثم نقول :
اعلم ، أنّ الله سبحانه قد نبّه الألبّاء على بعض أسرار ما نحن بصدد بيانه تنبيها خفيّا بقوله : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) (١) وكلّ عابد لشيء فإنّه متوجّه إلى معبوده لا محالة ، وتوجّهه إليه مسبوق بما بعثه على ذلك التوجّه ، وباعثه على التوجّه يتعيّن بحسب ما استقرّ عنده من المتوجّه إليه ، والمستقرّ عنده صورة علميّة منتشية من دلائل ومقدّمات تفيد الجزم اليقيني في زعمه ، أو صورة ذهنيّة متحصّلة من أقاويل مسموعة ، أو آيات وآثار مشهودة دالّة على أمور يزعم أنّها كمالات ، وأنّها حاصلة لمن تضاف (٢) إليه تلك الآثار ، وتستند إليه تلك الكمالات ، فحالما تصوّر تلك الصفات قائمة بموصوف مّا منفرد بها دون غيره حكم بأنّه مستحقّ للعبادة ، فرغب في اللجأ إليه والتعبّد له ؛ خوفا وطمعا ، أو (٣) استحسانا.
هذا ، مع أنّه قد يكون ما حكم به لمن نسبت إليه تلك الصفات ودلّت عليه الآثار والآيات المسموعة والمدركة صحيحا ثابتا لذلك الموصوف ، وقد لا يكون كذلك إلّا في زعم المعتقد لا في نفس الأمر ، أو تكون تلك الصفات والآثار ونحوهما ثابتة لغير من أضيفت إليه ، وتلك الأقاويل دالّة على تشخّصات متعيّنة في أذهان القائلين بحسب آرائهم وحدسهم وتصوّراتهم ، فهي ـ أعني تلك الصور الذهنيّة الاعتقاديّة ـ من حيث أوّل حادس ومستحضر ما أنشأ تصوّره منفعلة عنه ، ومن حيث السامع الأوّل القائل المستعبد نفسه من حيث هي بحسب ما ثبت في نفسه وتصوّره منها لقول القائلين منفعلة مرّة أخرى ، وهلمّ جرّا.
فالشخص إذا مستعبد نفسه لما انتشى في ذهنه ، وكان ناشئا أيضا عن صورة أخرى منفعلة عن متصوّر آخر بتصوّر هو بالأصالة منفعل ، هكذا ذاهبا إلى أوّل فاعل منفعل وكون الأمر كما تصوّر فإنّه يمكن أن يكون المتوجّه إليه بالعبادة فاعلا من حيث هو ، ومنفعلا من حيث تعيّنه في تصوّرات العقول والأذهان والظنون والأوهام ، أو ليس كذلك.
فيه : نظر. أمّا في طور العقل فلا شكّ في فساده وبطلانه ؛ لما يستلزم ذلك من المحالات
__________________
(١) البقرة (٢) الآية ١٤٨.
(٢) ه : يضاف ، ق : انضاف.
(٣) ق : و.