فأين المسابقة؟ وأين التوجّه الصحيح المصدّق قول المتوجّه إلى الحقّ في زعمه : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ)! وهو كاذب؟
فإنّه لم يخاطب بهذا إلّا الصورة الذهنيّة التي خلقها بعقله السخيف ، أو وهمه وخياله ورأيه الضعيف. وأنّى ترجى ثمرة عبادة أو صلاة هذا أساسها؟ وأين «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي» وذكره سبحانه الفاتحة وأقسامها ك «مجّدني عبدي» و «فوّض إليّ» و «هذه بيني وبين عبدي» و «هؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل»؟
فبالله عليك ، هذه الصورة المنتشية في ذهنك تقول شيئا من هذا ، أو تقدر على شيء ، هيهات. المنشئون لتلك الصور (لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا) ، (١) فما الظنّ ببعض ما انتشأ فيهم على النحو المذكور.
واعلم ، أنّ قوله صلىاللهعليهوآله (٢) في حديث الفاتحة والصلاة «يقبل من الصلاة ربعها ونصفها» وتعديده الأقسام حتى انتهى إلى التسع ، ثم قال : «وآخر تؤخذ صلاته كالثوب الخلق ، فيضرب بها وجهه» ، إشارة إلى ما ذكرنا من تفاوت حظوظ المتعبّدين ، وقلّة جدوى الكثير منهم ، وحرمان آخرين بالكلّيّة ، وليس ذلك إلّا لما ذكرنا من تأسيس الأمر على (٣) غير أصل صحيح ، ونعوذ بالله من ذلك ومثله.
ولنعد الآن إلى بيان الوجهة التي هي قبلة قلوب المتوجّهين وأرواحهم وعقولهم ونفوسهم وطباعهم ، من حيث أحكام الصفات والأحوال الغالبة عليهم ، بحكم هذه الأمور المذكورة ؛ فإنّ وجهة كلّ متوجّه هدف سهم إشارته حال توجّهه.
وقوله (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) فنقول في إيضاح سرّ ذلك : لأصل شجرة الحضرة الإلهيّة فروع يسري في كلّ فرع منها من سرّ الألوهيّة ، (٤) بالسراية الذاتيّة من الذات المقدّسة قسط بمقدار ما يحتمله ذلك الفرع من أصله ألا وإنّ تلك الفروع هي الأسماء الإلهيّة ، ألا وإنّ تلك السراية الذاتيّة الأصليّة عبارة عن سريان التجلّي الذاتي في مراتب أسمائه ، بحسب ما تقتضيه مرتبة كلّ اسم منها ، ولذلك قلنا غير مرّة : إنّ كلّ اسم من وجه عين المسمّى ، ومن وجه غيره ،
__________________
(١) الرعد (١٣) الآية ١٦.
(٢) ه : في قوله.
(٣) ق : عليه.
(٤) ق ، ه : الألوهة.