وفصّلنا في ذلك ما يغني عن إعادة الخوض فيه والإطناب.
ولمّا كان كلّ اسم من أسماء الحقّ سببا لظهور صنف مّا من العالم ، كان قبلة له ، فاسم ظهرت عنه الأرواح ، وآخر ظهرت عنه الصور البسيطة بالنسبة ، وآخر ظهرت عنه الطبائع والمركّبات ، وكلّ واحد من المولّدات أيضا ظهر باسم مخصوص عيّنته مرتبة الظاهر به ، بل حال المظهر واستعداده الذاتي غير المجعول ، ثم صار بعد قبلة له في توجّهه وعبادته لا يعرف الحقّ إلّا من تلك الحيثيّة ولا يستند إليه إلّا من تلك الحضرة ، وحظّه من مطلق صورة الحضرة بمقدار نسبة ذلك الاسم من الأمر الجامع لمراتب الأسماء كلّها والصفات.
وأمّا الإنسان فلمّا توقّف ظهور صورته على توجّه الحقّ بالكلّيّة إليه حال إيجاده ، وباليدين ، كما أخبر سبحانه ولإحدى يديه الغيب ، وللأخرى الشهادة ، وعن الواحدة (١) ظهرت الأرواح القدسيّة ، وعن الأخرى ظهرت الطبيعة والأجسام والصور ، ولهذا كان الإنسان جامعا لعلم الأسماء كلّها ومنصبغا بحكم حضراتها أجمع ، ما اختصّ منها بالصور وكلّ ما يوصف بالظهور ، وما اختصّ منها بكلّ ما بطن من الأرواح وغيرها ، ممّا يوصف بالغيب والخفاء ، فلم يتقيّد بمقام يحصره حصر الملائكة ، كما أشارت بقولها : (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ). (٢) ولا حصر الأجسام الطبيعيّة ، وبذا وردت الإخبارات الإلهيّة بلسان الشرائع وغيرها فتوجّه الإنسان الحقيقي ـ إن تحرّر من رقّ المقامات ، وارتقى وخلص بالاعتدال الكمالي الوسطي عن أحكام جذبات الأطراف والانحرافات ـ إلى حضرة الهويّة التي لها أحديّة جمع الجمع ، المنعوتة بالظهور والبطون ، والأوّليّة والآخريّة والجمع والتفصيل ، وقد مرّ للمتأمّل في الحديث عنها ما قدّر ذكره وبيانه ، وسنزيد ذلك تفصيلا ، ـ إن شاء الله تعالى ـ
وإن مال ـ أعني الإنسان ـ عن الوسط المشار إليه إلى طرف لمناسبة جاذبة قاهرة ، وغلب عليه حكم بعض الأسماء والمراتب فانحرف ، استقرّ في دائرة ذلك الاسم الغالب ، وارتبط به وانتسب إليه ، وعبد (٣) الحقّ من حيث مرتبته ، واعتمد عليه ، وصار ذلك الاسم منتهى مرماه وغاية مبتغاه ووجهه (٤) من حيث حاله ومقامه ، حتى يتعدّاه.
__________________
(١) ه : الواحد.
(٢) الصافّات (٣٧) الآية ١٦٤.
(٣) ق : عند.
(٤) ه : وجهة ، ق : وجهته.