ولمّا كانت مراتب الأسماء مرتبطا بعضها بالبعض ، وأحكامها مشتبكة متداخلة بالتوافق والتباين الموضحين حكمي الإبرام والنقض ، صارت أحوال الخلق ـ من حيث هم تحت حكم هذه المراتب ، ومحلّ آثارها ـ متفاوتة مختلفة ؛ لأنّ اجتماعات تلك الأحكام الأسمائيّة تقع في المراتب الوجوديّة على ضروب ، فتحصل بينهما كيفيّات معنويّة ، مقرونة بتقلابلات (١) روحية ، فيحدث في البين ما يشبه المزاج في كونه متحصّلا عن تفاعل كيفيّات ناشئة عن امتزاج واقع بين الطبائع المختلفة وقواها. ونظيرها هناك التقابل والتباين اللذين (٢) بين الأسماء ، فتظهر الغلبة لبعض المراتب الوجوديّة والأسمائيّة ، كغلبة بعض الطبائع هنا على البعض ، حتى يقال : هذا مزاج صفراوي ودموي وغير ذلك. ويقال : هناك زيد عبد العزيز ، وآخر عبد الظاهر ، وآخر عبد الباطن ، وآخر عبد الجامع ، وآدم في السماء الأولى ، وعيسى في الثانية ، وإبراهيم في السابعة ونحو ذلك.
ثم إنّه يحصل بين تلك الأمزجة المعنويّة والروحانيّة وبين هذه الأمزجة الطبيعيّة اجتماع آخر ، تظهر له أحكام مختلفة تنحصر (٣) في ثلاثة أقسام : قسم يختصّ بمن غلبت عليه أحكام روحانيّته (٤) على أحكام طبيعته (٥) ، حتى صارت قواه الطبيعيّة تابعة لقواه الروحانيّة وكالمستهلكة فيها ، وقسم يختصّ بجمهور الخلق وهو عكس ما ذكرنا ؛ فإنّ قواهم وصفاتهم الروحانيّة مستهلكة تحت حكم قوى طبائعهم ، وقسم ثالث يختصّ بالكمّل ومن شاء الله من الأفراد ، وآيتهم (أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) (٦) فافهم ؛ فهذا مقام لا يحتمل البسط.
ثم نقول : فيظهر لما قلنا بحسب الغلبة المذكورة حكم ما يقتضيه وصف الأمر الغالب من المراتب والأسماء والطبائع ، وإن لم يخل المحلّ عن حكم الجميع ، لكن إنّما ينتسب لمن ظهرت له السلطنة عليه ، فمنزّه ، ومشبّه ، وجامع بين التنزيه والتشبيه ، ومشرك ، وموحّد ، وغير ذلك.
__________________
(١) في بعض النسخ : متقابلات.
(٢) ق ، ه : الذي.
(٣) ه : تخسر.
(٤) ق ، ه : روحانية.
(٥) ه : طبيعية.
(٦) طه (٢٠) الآية ٥٠.