ما ظهرت أعيان الأسماء.
فنحن العابدون وهو المعبود ، وهو الموجد ونحن الموجودون ، فلام العلّة المنبّه على أحد حكميها بقوله : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (١) ذاتيّة في الجانبين ، فأظهر أحد حكمي هذا السرّ بهذه (٢) اللام المذكورة في «ليعبدون» حكمة ظاهرة ، وأخفى حكمها الآخر في قوله : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) حكمة باطنة ؛ لأنّ له سبحانه في كلّ شيء ـ ولا سيّما في شرائعه وأوامره وإخباراته ـ حكما ظاهرة وباطنة يشهدها ويتحقّق بمعرفتها الكمّل والمتمكّنون من أهل الكشف والوجود ، ويشعر أهل العلوم الرسميّة من ظاهر تلك الحكم بالأقلّ من القليل منها في بعض الصور التكليفيّة بطريق التعليل.
وأمّا سرّ قوله : (نَعْبُدُ) و (نَسْتَعِينُ) بضمير الجمع ، فلسرّين كلّيّين كبيرين :
أحدهما : ما سبقت الإشارة إليه من أنّ ظهور عين العبادة والأعمال مطلقا لا يحصل في الوجود العيني إلّا بين الرتبة المشتملة على أحكام الربوبيّة وبين المجلى المذكور المشتمل على أحكام المربوبيّة ، فمتعلّق ضمير الجمع بلسان الحقّ والكون حيث ورد ، مثل «نحن» و «إنّا» و «نعبد» و «نستعين» وغير ذلك هو لسان جملة ما يشتمل عليه كلّ واحدة من الرتبتين المذكورتين ، فافهم.
وأمّا السرّ الآخر المتضمّن تحقيق ما أجمل ، وبيانه ، فهو أنّ لكلّ من هاتين المرتبتين : الربانيّة والكونيّة المشار إليهما نشأة معنويّة غيبيّة ، ذات أحوال وحقائق متناسبة متباينة ، ولأحكامها فيما بينهما امتزاج وتداخل بائتلاف واختلاف وهي من جانب الحقّ عبارة عن الصورة التي حذيت عليها الصورة الآدميّة ، وتعيّنها من غيب الحقّ الذاتي هو من حيث المرتبة الإنسانيّة الكماليّة ، المسمّاة هنا بحضرة أحديّة الجمع ، المظهرة أعيان الأشياء وأحكام الأسماء والصفات والشؤون الإلهيّة المتقابلة من جهة الأثر ، والمتفاوتة في الحيطة والحكم ، ك «القابض» و «الباسط» و «المانع» و «المعطي» و «المميت» و «المحيي» و «العليم» و «القدير» و «المريد» وك «السخط» و «الرضا» و «الفرح» و «الحياء» ، و «الغضب» و «الرأفة» و «الرحمة» و «القهر» و «اللطف» ، ونحو ذلك ممّا ورد ؛ فإنّ لهذا كلّها
__________________
(١) الذاريات (٥١) الآية ٥٦.
(٢) بهذا.