وإذا تقرّر هذا ، فاعلم ، أنّ العبارات اختلفت في تعريف حضرة أحديّة الجمع ، وكلّها صحيحة.
فإن قلت : إنّها الحقيقة الإنسانيّة الإلهيّة الكماليّة ، التي (١) كان كلّ إنسان كامل من حيث صورته الظاهرة مظهرا لتلك الحقيقة ولوازمها ، صدقت ، وإن سمّيتها برزخ الحضرتين : الإلهيّة والكونيّة ؛ لكونها مشتملة على جميع الأحكام الإلهيّة والإمكانيّة ، مع أنّها ليست بشيء زائد على معقوليّة أحديّة جمعها كسائر البرازخ ، صدقت أيضا.
وإن سمّيتها مرآة الحضرتين ، أو أنّها مرتبة صورة الحقّ والإنسان الكامل من غير تعديد ، والحدّ الفاصل بين ما تعيّن من الحقّ ، وكان مجلى لما لم يتعيّن منه ولم يتعدّد ، صدقت ، فكلّ ذلك ذاتي لها دائما أزلا وأبدا. وتقيّد الكمّل الذين هم أصحاب هذه المرتبة ، من حيث بعض النشآت التي يظهرون بها بالزمان ، لا يقدح فيما أصّلنا ، ولا ينافي ما ذكرنا وقرّرنا.
ثم نقول : الإنسان الكامل في كلّ عصر من حيث أحد وجهي هذه المرتبة ـ أعني الوجه الذي يلي غيب ذات الحقّ ولا يغايره ولا يمتاز عنه ـ يترجم ، عن غيب الذات وشؤونها التي هي حقائق الأسماء ب «نحن» و «إنّا» و «لدينا» ونحو ذلك ، ومن حيث الوجه الآخر الذي ينطبع فيه الأعيان وأحوالها يترجم عنها وعنه من حيث هي وبلسانها ، ومن حيث هو أيضا بلسان جمعيّة خصوصيّته وما حوته ذاته من الأجزاء والخصائص والصفات والقوى الروحانيّة والجسمانيّة الطبيعيّة ب «نعبد» و «نستعين» و «اهدنا» ونحو ذلك ، لإحاطة مرتبته (٢) الكماليّة هذه ، الطرفين وما اشتملا عليه غيبا وشهادة ، روحا وجسما ، عموما وخصوصا ، قوّة وفعلا ، إجمالا وتفصيلا ، فافهم ، وأمعن التأمّل ، وراجع ربّك بالتضرّع والافتقار ؛ فإنّه إن فكّ لك ختم هذا الكلام ، عرفت سرّ الربوبيّة والعبوديّة في كلّ شيء ، وسرّ العبادة والتوجّه والطلب والفوز والحرمان ، وتحقّقت أنّ كلّ عابد متوجّه من حيث فرعيّته وخلقيّته ، إلى أصله الإلهي المتعيّن به من مطلق غيب الذات في المرآة المذكورة الكماليّة الإنسانيّة الإلهيّة ، بانعكاس حكميّ راجع من عرصة الإمكان ، إلى المرآة المذكورة ، فإيّاه يعبد ، وإليه يتوجّه ، ومنه بدأ ، وإليه يعود.
__________________
(١) ق ، ه : الذي.
(٢) ه : مرتبة.