طريقا جامعا بين الإفصاح والإشارة ، وبسنّته نقتدي ، وبالله نهتدي ، فاكتف بالتلويح ؛ فإنّ التفصيل يطول.
وجملة الحال فيما أصّلنا أوّلا أنّ الإنسان لمّا كان نسخة من جميع العالم ، كانت له مع كلّ عالم ومرتبة وأمر وحال ، بل مع كلّ شيء نسبة ثابتة لا جرم فيه ما يقتضي الانجذاب من نقطة وسطه الذي هو أحسن تقويم ، إلى كلّ طرف ، والإجابة لكلّ داع.
وليس كلّ جذب وانجذاب وإجابة ودعاء بمفيد ولا مثمر للسعادة. هذا وإن كان الحقّ ـ كما بيّنّا ـ غاية الجميع ومنتهاه ومعه ومبتغاه ، وإنّما المقصود إجابة وسير وانجذاب خاصّ إلى معدن السعادات ، و (١) إلى ما يثمر سعادة مرضيّة ملائمة خالصة غير ممتزجة ، مؤبّدة لا موقّتة ، فما لم يتعيّن للإنسان من بين الجهات المعنويّة وغير المعنويّة الجهة التي هي المظنّة لنيل ما يبتغي ، أو المتكفّلة بحصوله ، ومن الطرق الموصلة إلى تلك الجهة ، و (٢) ذلك الأمر أسدّها وأقربها وأسلمها من الشواغب والعوائق ، فإنّه ـ بعد وجدان الباعث الكلّي إلى الطلب أو مسيس الحاجة إلى دفع ما يضرّ وجلب ما ينفع ، أو ما هو الأنفع ظاهرا وباطنا أو عاجلا وآجلا ـ لا يعلم كيف طلب ، ولا ما يقصد على التعيين؟ ولا كيف يقصده؟ ولا بأيّ طريق يحصّله؟ فيكون ضالًّا حائرا حتى يتعيّن له الأمر والحال ، ويتّضح له وجه الصواب بالنسبة إلى الوقت الحاضر والمآل ، فافهم (وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) (٣).
__________________
(١) ق : أو.
(٢) ه : أو.
(٣) الأحزاب (٣٣) الآية ٤.