النبوّة الآتية بصورة الهدايات ، والدالّة على غايات الكمالات ، وأطلعك على سرّ الاستقامة والاعوجاج والمبادئ والغايات وما يختصّ بجميع ذلك ـ إن شاء الله تعالى ـ فأقول :
أوّل مرتبة الرشاد في الصراط الخصوصي المشروع الإسلام وله التنبيه الإجمالي على حكم التوحيد الكلّي المرتبي والانقياد لله الموجد ، الذي لا يجهل أحد الاستناد إليه ولا الانقياد (١) له ، وله فروع من الأحكام والأحوال ، وتلبّس الإنسان بتلك الأحوال وانقياده لتلك الأحكام هو سيره في مراتب الإسلام ودرجاته ، حتى ينفذ منه إلى دائرة الإيمان ، وهكذا حاله في دائرة الإيمان بالأحكام والأحوال المختصّة به ، حتى ينتهي إلى حال الطائفة التي ذكرناها آنفا وقلنا : إنّها تلي طائفة العرفان والكشف والشهود.
ومبدأ الشروع في درجات الكمال الإيماني من مقام التوبة ، فالصراط المستقيم العدل الوسط في التوبة عبارة عن التلبّس بالحالة الخالصة من الشوائب المنافية للصدق ، والجزم عند قصد الإنابة بحيث تكون التوبة طاهرة من كلّ ما يشينها مقبولة ثابتة الحكم ، ثم التصديق الخاصّ بأنّ الله يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيّئات ويعلم ما يفعل عباده.
وفي قوله سبحانه في هذه الآية : (وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) (٢) ، تنبيه على هذا الإيمان المشار إليه ؛ فإنّ الإيمان ـ كما علمت ـ التصديق ، فمن صدّق الله في إخباره أنّه يعلم ما يفعلون (٣) ، لم يقدم متجاسرا على ما يكره ؛ لأنّه من الضعف بمثابة أنّه لو نهاه مخلوق مثله ـ ممّن له عليه تسلّط ـ عن أمر مّا ، وعرف أنّه كاره لذلك الأمر ، ثم تأتّى له فعل (٤) ذلك الأمر مع وفور الرغبة ووجدان الاستطاعة لكنّه بمرأى من ذلك المتسلّط الناهي ومسمع ، فإنّه لا يقدم على ارتكاب ذلك الفعل أبدا وإن توفّرت رغبته (٥) إلى أقصى الغاية ، بل مجرّد الحياء من معاينته له مع تقدير الأمن من غائلته يصدّه عن ذلك ، فكيف به إذا لم يتحقّق الأمن ، فهذا النحو من الإيمان ليس هو نفس الإيمان بالله وكتبه ورسله على سبيل الإجمال ، بل هذا إيمان خاصّ.
__________________
(١) ق : الانفعال.
(٢) الشورى (٤٢) الآية ٢٥.
(٣) ق : يفعل.
(٤) ه : فصل.
(٥) ه : رغبة.