الخلق الجديد في كلّ آن ، ونعمة حسن المرافقة (١) في كلّ ذلك وسواه ، ونعمة الإمداد بما يحتاج إليه في ذاته وخواصّها ولوازمها ، وما يحتاج إليه في الوصول إلى مرتبة الكمال الذي أهلّ له ، ونعمة التوفيق والهداية المقرّبين للمدى ، المنافيين (٢) لما عليه العدى ، ونعمة العافية ، ونعمة تهيئة الأسباب الملائمة في كلّ الأمور.
والأعلى والأشرف نعمة المشاهدة الذاتيّة ، التي لا حجاب بعدها ـ مع كمال المعرفة والحضور معه سبحانه ، على أتمّ وجه يرضاه للكمّل ـ منه ومنهم له دنيا وبرزخا وآخرة ، فقوله تعالى : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) بالنسبة لمن يعرف ما بيّنّا هو ما أشرنا إليه.
وأوّل موجود تحقّق بالنعم الإلهيّة القلم الأعلى الذي هو أوّل عالم التدوين والتسطير ، فإنّ المهيمنين (٣) وإن كانوا أعلى (٤) في المكانة ، لكنّهم لا شعور لهم من حيث هم بأنفسهم ، فضلا أن يكون لهم شعور بنعيم ولذّة.
وآخر الموجودات تحقّقا بهذه النعم عيسى بن مريم ـ على نبيّنا وعليه أفضل الصلاة والسلام ـ لأنّه لا خليفة لله بعده إلى يوم القيامة ، بل لا يبقى بعد انتقاله وانتقال من معه مؤمن على وجه الأرض ، فضلا عن وليّ وكامل. كذا أخبر نبيّنا صلىاللهعليهوآله ثم قال : «لا تقوم الساعة وفي الأرض من يقول : الله الله ، ولا تقوم الساعة إلّا على شرار الناس». (٥)
فينبغي لمن فهم ما ذكرنا أن يستحضر عند قوله : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) ، القلم الأعلى وعيسى ومن بينهما ، ممّن منح النعم الإلهيّة التي عدّدناها والتي أومأنا إليها إشارة وتلويحا على سبيل الإجمال ؛ فإنّه لا يفوته نعمة من النعم الإلهيّة أصلا ؛ لأنّ أهلها محصورون في المذكورين ومن بينهما ، وسيّما إذا استحضر قوله تعالى على لسان نبيّه : «هؤلاء لعبدي ، ولعبدي ما سأل» ، وصدّق ربّه بإيمانه التامّ فيما أخبر عن نفسه ، وفي وعده بالإجابة وأنّه سبحانه عند ظنّ عبده به ، فإنّ الله تعالى يعامله بكرمه (٦) الخاصّ واعتقاده فيه لا محالة كما أخبر ، وهو الصادق الوعد والحديث ، الجواد المحسان. (٧)
__________________
(١) ق : الموافقة.
(٢) ق : المنافين.
(٣) ق ، ه : المهمين. والظاهر ـ بقرينة الأحكام المرتّبة عليهم ـ : «المهيّمين».
(٤) كذا في الأصل. والأولى : أعلون.
(٥) جامع المسانيد ، ج ٢١ ، ص ١٦٢.
(٦) ق : بكونه.
(٧) أي كثير الإحسان.