في أوّل هذا التمهيد ما يستدلّ به اللبيب على هذا الأمر المشار إليه وعلّته وسببه وغير ذلك من الأسرار المتعلّقة بهذا الباب ، وسنزيد في بيان ذلك ـ إن شاء الله تعالى ، ـ فنقول : كلّ ما تتعلّق به المدارك العقليّة والذهنيّة : الخياليّة والحسّيّة جمعا وفرادى فليس بأمر زائد على حقائق مجرّدة بسيطة تألّفت بوجود واحد غير منقسم ، وظهرت لنفسها ، لكن بعضها في الظهور والحكم والحيطة والتعلّق تابع للبعض ، فتسمّى المتبوعة ـ لما ذكرنا من التقدّم ـ حقائق وعللا ووسائط بين الحقّ وما يتبعها في الوجود وما ذكرنا ، وتسمّى التابعة خواصّ ولوازم وعوارض وصفات وأحوالا ونسبا ومعلولات (١) ومشروطات ونحو ذلك ؛ ومتى اعتبرت هذه الحقائق مجرّدة عن الوجود وعن ارتباط بعضها بالبعض ولم يكن شيء منها مضافا إلى شيء ، أصلا ، خلت عن كلّ اسم وصفة ونعت وصورة وحكم خلوّا بالفعل لا بالقوّة ، فثبوت النعت والاسم والوصف بالتركيب والبساطة ، والظهور والخفاء ، والإدراك والمدركيّة ، والكلّيّة والجزئيّة ، والتبعيّة والمتبوعيّة وغير ذلك ممّا نبّهنا عليه وما لم نذكره للحقائق المجرّدة إنّما يصحّ ويبدو بانسحاب الحكم الوجودي عليها أوّلا ، ولكن من حيث تعيّن الوجود بالظهور في مرتبة مّا وبحسبها أو في مراتب ، كما سنزيد في بيان ذلك ـ إن شاء الله تعالى ـ وبارتباط أحكام بعضها بالبعض وظهور أثر بعضها بالوجود في البعض ثانيا ؛ فاعلم ذلك.
فالتعقّل والشهود الأوّل الجملي للحقائق المتبوعة يفيد معرفة كونها معاني مجرّدة من شأنها ـ إذا تعقّلت (٢) متبوعة ومحيطة ـ أن تقبل صورا شتّى وتقترن بها ؛ لمناسبة ذاتيّة بينها وبين الصور القابلة لها ولآثارها ، والمقترنة بها ، وهذه المناسبة هي حكم الأصل الجامع بينها ، والمشتمل عليها ، وقد سبقت الإشارة إليها.
والتعقّل (٣) والشهود الأوّل الجملي للحقائق التابعة يفيد معرفة كونها حقائق مجرّدة لا حكم لها ولا اسم ولا نعت أيضا ؛ ولكن من شأنها أنّها متى ظهرت في الوجود العيني تكون أعراضا للجواهر والحقائق المتقدّمة المتبوعة ، وصورا وصفات ولوازم ونحو ذلك.
__________________
(١) ب : معلومات.
(٢) ق : عقلت.
(٣) ق : فالتعقل.