والمراتب الوجوديّة والعلميّة إنّما تقوم وتدوم في كلّ زمان بالكامل المستناب والمستندب لتكميل ذلك وحفظ نظامه في ذلك الزمان ، فلا جرم وقع الأمر كما هو عند من يعرفه. وقد تكرّرت التنبيهات الإلهيّة على ذلك في الكتب المنزلة ، وبلسان الكمّل.
فمن ذلك قوله سبحانه في التوراة : «يا ابن آدم خلقت الأشياء من أجلك ، وخلقتك من أجلي» (١) ومثله قوله لموسى ـ على نبيّنا وعليه أفضل الصلاة والسلام ـ : (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) (٢) وقوله لمجموع الكمّل : (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) (٣) ، بعد التعديد والتفصيل غير مرّة ، ونحو هذا ممّا يطول ذكره ، ولم يختلف فيه أحد من أهل الاستبصار.
ولمّا كان الثناء من كلّ مثن على كلّ مثنى عليه تعريفا للمثنى عليه ، ومتضمّنا دعوى المثني أنّه عارف بمن يثني عليه من حيث هو مثنى عليه ، وكانت الحجّة البالغة لله ، أراد سبحانه أن يظهر كمال الحجّة ـ الّتي بها كمال المعرفة المطلوبة ـ كتعلّق إرادته بإظهار كمال باقي شؤونه ، فإنّ ثبوت معرفته بنفسه وبكلّ شيء عند نفسه يكون حجّة من حيث كمال العلم ، وزوال التهمة ، لكن لا تكون بالغة إلّا إذا تمّ ظهورها في كلّ مرتبة ، وعند جميع من كان من أهل تلك المرتبة ، أو ظهر بها وفيها ، كظهورها ووضوحها في نفس المبرهن (٤) الحقّ المحقّ. وتذكّر قوله تعالى (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) (٥) ، وما ورد عنه صلىاللهعليهوآله من «أنّ الله لا يؤاخذ أحدا يوم القيامة حتى يعذر من نفسه» يعني (٦) : حتى تتركّب حجّة الله عليه ويفلج (٧) ، ومن ذلك قوله أيضا صلىاللهعليهوآله : «ليس أحد أحبّ إليه العذر من الله ، ومن أجل ذلك أرسل الرسل ، وأنزل الكتب» (٨) و (٩) ، فافهم.
فقد عرّفتك في هذه الخاتمة أشرف أسرار البسملة من حيث أصل الأسماء ، ثم عرّفتك سرّ «الحمد لله» وتصدير الكلام العزيز بها.
__________________
(١) ر. ك : أحاديث مثنوي ، ص ١٨١.
(٢) طه (٢٠) الآية ٤١.
(٣) الجاثية (٤٥) الآية ١٣.
(٤) ق : المرتهن.
(٥) النساء (٤) الآية ١٦٥.
(٦) ق : حتى يعني.
(٧) ه : تلفج.
(٨) ق : الكتاب.
(٩) جامع المسانيد ، ج ١١ ، ص ٧٩٠.