وأمّا سرّ إضافة «الحمد» إلى «الله» فهو من حيث إنّه أوّل التعيّنات المرتبيّة الجامعة ، وقد نبّهت عليه منذ قريب.
وسرّ إضافة الربوبيّة إلى الاسم «الله» هو تأنيس المخاطبين لما تعطيه حضرة الألوهيّة (١) من الأحكام المتضادّة الظاهرة والمغيبة ، وما يلازمها (٢) من فرط جلال الهيبة (٣) والعظمة بخلاف الربوبيّة المستلزمة للشفقة ، وحسن الاشتمال على المربوبين بالتغذية ، والتربية و ، الإصلاح ونحو ذلك.
وسرّ الشمول بالإضافة هو لفتح باب مطامع الكلّ فيه إذا أطاعوا ، وليرهبوا أيضا بأجمعهم إذا أفرطوا (٤) أو قصّروا ، للمعنى المدرج في (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) وهو المجازاة.
وسرّ إيّاك كما مر ، هو : أنّ المتعيّن من (٥) علمك فيك أوّلا هو في ثاني حال هدف أسهم إشاراتك ، ومقصد تتعيّن عنده مراداتك ، وتستجلي فيه شؤونك كلّها ، وتفاصيل أحكام إرادتك ، فظهر الفرع بصورة الأصل ، وهذا أمر إن عرفته عرفت الكلّ.
وسرّ (إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) هو عطف على الإشارة المتقدّمة بوجه يخالف الوجه الأوّل ، كما مرّ بيانه ، وتصريح بما أجمل في باء البسملة من حكم الفقر ، وعدم الاستقلال (٦) ، والإقرار بالانقياد ، والتوجّه إليه ، والتعويل في المهامّ عليه. و (اهْدِنَا) إلى آخر السورة هو طلب أدرج فيه سرّ المحاكاة من الفرع للأصل (٧) ، وسيّما في المقصود الأوّل من الإيجاد ، الذي حاصله التعريف والتمييز المشار إليه : «بأحببت أن أعرف» ، فافهم ؛ فإنّه لو لا الإيجاد ، لم يظهر تمييز مرتبة الحدوث من القدم ، ولا مرتبة الوحدة ـ من حيث اشتمالها على الأحكام المتعدّدة الكثيرة ـ من الوحدة الصرفة التي لا حكم يقيّدها ، ولا وصف يعيّنها ، ولا لسان يوضّحها ويبيّنها ، وقد مرّ بيان ذلك في صدر الكتاب.
وأمّا سرّ المغضوبيّة فهو نفس الانحرافات الظاهرة الصوريّة ، والباطنة الروحانيّة والمعنويّة ، المتعيّنة بين بداية أمر الوجود وغايته بسبب تداخل الأحكام والأحوال
__________________
(١) ق : الألوهة.
(٢) ق : لا يلازمها.
(٣) ق : «فرى» وردت قبل «العظمة».
(٤) ق : فرطوا.
(٥) ق : في.
(٦) ق : الاستهلاك.
(٧) ق : الأصلي.