المضافة إلى الأسماء والأعيان ، وغلبة بعض تلك الأحكام للبعض غلبة تخرج جمعيّتها عن نقطة الاعتدال الخصيص بتلك الجمعيّة أيّ جمعيّة كانت ، فافهم.
وقد عرفت سرّ البدايات والغايات ، وأنّ الحقّ هو الأوّل والاخر ، وأنّ شؤونه هي المتعيّنة في البين فلا تنس.
ولمّا كانت الفاتحة أمّ الكتاب ـ أي أصله ـ وقد عرّفتك في أوّل الكتاب مرتبتها ، وأنّها الأنموذج الشريف الأخير ، وكان غيب الذات من حيث اللاتعيّن ـ حال لا حكم ولا صفة ولا اسم ـ متقدّما على جميع التعيّنات الظاهرة والباطنة ، العلميّة والوجوديّة ، وكان مصير الأمور كلّها ومنتهاها إلى ما تعيّنت منه أوّلا ، والحقّ هو الأوّل ، اقتضى الأمر السرّ العدلي الكمالي العيني (١) ختم الفاتحة بلفظ يدلّ على الحيرة التي كان آخر مراتبها من حيث حال المتّصفين بها متّصلا بغيب الذات ، ولهذا كان منتهى الأكابر (٢) ؛ فإنّ حيرتهم في الله هي في أعلى خصوصيّات ذاته من ذاته ، بعد تعدّي سائر مراتب أسمائه وصفاته.
وكما كان أوّل الحضرات الوجوديّة المتعيّنة من غيب الذات هي حضرة التهيّم (٣) ، وفيه تعيّن المهيّمون المستغرقون بما هم فيه عن الشعور بأنفسهم ، وبمن هيّمهم شهوده وفرط قربه ، وبالسوى كان الآخر نظير الأوّل ، كما بيّنّا ، فإنّ الخاتمة عين السابقة ، فختم سبحانه أحوال الصفوة من عباده بما بدأ به ، وإن كان بين أهل الحيرة الأخيرة هنا وبين من هناك فرقان عزيز لا يعرفه إلّا النّدر من الأكابر وقد نبّهتك عليه تعريضا وتمثيلا فتذكّر.
وكذلك ختم سبحانه شؤونه مع خلقه من الوجه الكلّي بالحال الذي بدأهم بحكمه وهو الرضا ؛ فإنّه لمّا كانت الرحمة نفس الوجود ـ كما بيّنّا ـ ، كان وصفه الذاتي هو الرضا ، ولهذا قابله الغضب ، ووقعت بينهما المجاراة (٤) الشريفة التي ذكرها سبحانه ، ثم سبقت الرحمة الغضب ، وغلبته بالرضا الذي هو وصفها الذاتي ؛ لأنّه سبحانه لو لم يرض لنفسه من نفسه الإيجاد ، و (٥) لأعيان الممكنات الاتّصاف (٦) بالوجود الذي سمح به ورضيه لهم ، ما وجد
__________________
(١) ق : الغيبي.
(٢) ق : للأكابر.
(٣) ق : الهيم.
(٤) ه : المحاذاة.
(٥) لم يرد في ق.
(٦) ه : الاتضاف.