ما وجد. وكون الرضا له مراتب كثيرة لا ينافي ما ذكرنا ، فصورة (١) الرضا العامّة نفس الإيجاد وبذل الوجود لكلّ موجود ، ثم تعيّنت خصوصيّاته بحسب أحكامه ، وعددها مائة عدد ، عدد الرحمات ، فافهم.
فلا جرم كان آخر أحكامه الكلّيّة في السعداء من خلقه ـ كما أخبر ـ رضاه عنهم ، فلا يسخط عليهم أبدا ، فختم تعريفه لهم من الوجه الكلّي بما تعيّن (٢) لهم منه آخرا ، وهو المتعيّن أوّلا ، والسلام.
وختم آخر أحوالهم ـ من حيث هم ـ بالدعاء الذي هو السؤال ، وهو كان أوّل أحوالهم ؛ لأنّ أوّل أمر انصبغوا به حكم سؤال الحقّ نفسه بنفسه ، وتعلّق طلبه بكمالي (٣) الظهور والإظهار ، فسرى حكم ذلك السؤال في حقائقهم ؛ لكونهم إذ ذاك في عين القرب الذي هو عبارة من (٤) ارتسامهم في نفسه سبحانه ، فسألوا الإيجاد بألسنة الاستعدادات من حيث حقائقهم ، فكانت إجابة الحقّ لهم إيجادهم ، كما نبّهتك عليه في صدر الكتاب عند الكلام على سرّ البدء ، فختمت أحوالهم آخرا بالسؤال ، وكان ذلك بصيغة (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ، كما أخبر سبحانه بقوله : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ؛ لأنّ المقصود من السؤال الأوّل المذكور إنّما ظهر كماله حينئذ ، لا جرم تعيّن الحمد ، كالآكل والشارب ونحوهما إنّما شرع له التحميد إذا قضى وطره ممّا يباشره ، فافهم.
وختم سبحانه القرآن ـ العزيز (٥) المنزل ـ بآية الميراث ؛ لأنّ آخر الأسماء حكما ـ وخصوصا في الدنيا ـ الاسم الوارث (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ) (٦).
وسأمثّل لك في سرّ الميراث مثالا إن أمعنت النظر فيه أشرفت على علم كبير عزيز جدّا ، وذلك أنّ أشعّة الشمس وكلّ صورة نيّرة لا تنبسط إلّا إذا قابلها جسم كثيف ، وفي التحقيق الأوضح لو لم يكن ثمّة (٧) جسم كثيف لم يظهر للشمس نور منبسط ، فالشعاع تعيّن بين
__________________
(١) ه : قصورة.
(٢) ق : يتعيّن ، ه : تتعيّن.
(٣) ق : بكمال.
(٤) ق : لم يرد.
(٥) ق : لم يرد.
(٦) مريم (١٩) الآية ٤٠.
(٧) ق : ثم.