والمباح أيضا مطلق ومقيّد ، فالمطلق كالتنفّس والتحيّز والحركة من حيث الجملة ، والمقيّد كشرب الماء والتغذّي بما لا يستغني البدن عنه ، وكذلك ضرورة التدثّر والاستكنان وغيرهما مما يحرس به الإنسان نفسه ضرورة.
والمكروه هو عبارة عن التغليب في ذكر (١) كلّ أمر ممتزج من خير وشرّ وكلّ متشابه لأحد الجانبين ميلا (٢) بهوى ، أو عادة أو استحسان عقلي غير مستند إلى نصّ صريح مشروع. فإنّ الحزم والاحتياط المرعيّ في التقوى يقضي بالاحتراز منه لما يتوقّع من حصول ضرر خفي بالنسبة إلى الأكثرين بسببه ، وسلامة البعض نادرا من ضرره للعناية أو لخاصّيّة الإكسير العلمي والحالي (٣) لا يحتجّ بها كحال أهل الأمزجة والنفوس القوية مع الأغذية الرديّة المضرّة من السمومات وغيرها ، وكالطبيب المتدارك ضرر الأغذية الرديّة وغيرها بما يردع ضررها من معجون وترياق وغير ذلك ، ولسان هذا المقام فيما نحن بصدده قوله تعالى : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) (٤) وقوله صلىاللهعليهوآله : «أتبع السيّئة بالحسنة (٥) تمحها» (٦) فاعلم ذلك.
والمندوب أصله كلّ أمر هو مظنّة للنفع من وجه ضعيف أو خفيّ ؛ لكونه ممتزجا ممّا لا ضرر فيه ، وما يرجى نفعه غالبا وممّا (٧) عساه يكون بليغ النفع أحيانا بالنسبة إلى البعض ، وكأنّه عكس المكروه. وقد نبّه رسول الله صلىاللهعليهوآله على قاعدة جامعة بين الأمرين فقال : «إنّ الرجل ليتكلّم بالكلمة من سخط الله ما يظنّ أن تبلغ ما بلغت فيهوي (٨) بها في النار سبعين خريفا ، وإنّ الرجل ليتكلّم بالكلمة من رضوان الله ما يظنّ أن تبلغ ما بلغت ، فيكتب بها في علّيّين ـ وفي أخرى ـ فيكتب الله له بها رضاه إلى يوم يلقاه» (٩).
وأمّا سرّ الناسخ والمنسوخ : فالناسخ هو حكم الاسم الثابت الدولة الذي إذا تعيّنت سلطنته (١٠) في شريعة ، دامت الشريعة دوام سلطنة ذلك الاسم ويستمرّ ترجمتها عن أحوال الأعيان التي تحويها دائرته.
__________________
(١) ق : لا توجد.
(٢) ق : مثلا.
(٣) في بعض النسخ : الحال.
(٤) هود (١١) الآية ١١٤.
(٥) ق : الحسنة.
(٦) معجم مستدرك الوسائل ، ج ٨ ، ص ٢٠٨.
(٧) ق ، ه : ما.
(٨) ق ، ه : يهوى.
(٩) جامع المسانيد ، ج ٢٧ ، ص ١٥٨.
(١٠) ه : سلطنة.