المدارك الفكريّة (١) ، والاطّلاعات النظريّة وغير النظريّة ، التي لا تتعدّى العوارض والصفات والخواصّ واللوازم ، كما سبق التنبيه عليه.
فيعرف صاحبه غاية ما أدرك كلّ مفكّر بفكره ، واطّلع عليه بحسّه ونظره ؛ ويعرف سبب تخطئة الناظرين بعضهم بعضا ، وما الذي أدركوه وما فاتهم ، ومن أيّ وجه أصابوا؟ ومن أيّة [جهة] أخطئوا؟ وهكذا حاله مع أهل الأذواق ـ الذين (٢) لم يتحقّقوا بالذوق الجامع ـ وغير هم من أهل الاعتقادات الظنّيّة والتقليديّة ؛ فإنّه يعرف مراتب الذائقين والمقلّد وما [هو] الحاكم عليهم من الأسماء والأحوال والمقامات ، الذي أوجب لهم تعشّقهم وتقيّدهم بما هم فيه ، ومن له أهليّة الترقّي من ذلك ، ومن ليس له ، فيقيم أعذار الخلائق أجمعين ، وهم له منكرون ، وبمكانته جاهلون.
فهذا يا إخواني حال المتمكّنين من أهل الله في علمهم الموهوب ، وكشفهم التامّ المطلوب ، ولا تظنّوها الغاية التامّة فما (٣) من طامّة إلّا فوقها طامّة ، ولهذا التحقّق والاستشراف لم يقع بين الرسل والأنبياء والكمّل من الأولياء خلاف في أصول مأخذهم ونتائجها وما بيّنوه من أحكام الحضرات الأصليّة الإلهيّة ، وإن تفاضلوا في الاطّلاع والبيان.
وما نقل من الخلاف عنهم فإنّما ذلك في جزئيّات الأمور والأحكام الإلهيّة المشروعة ؛ لكونها تابعة لأحوال المكلّفين وأزمانهم ، وما تواطؤوا عليه وما اقتضته (٤) مصالحهم.
فتتعيّن (٥) الأحكام الإلهيّة في كلّ زمان بواسطة رسول ذلك الزمان بما هو الأنفع لأهله حسب ما يستدعيه استعدادهم وحالهم وأهليّتهم وموطنهم.
وأمّا هم فيما بينهم بعضهم مع بعض عليهمالسلام فيما (٦) يخبرون به عن الحقّ ممّا عدا الأحكام الجزئيّة المشار إليه فمتّفقون ، وكلّ تال يقرّر قول من تقدّمه ، ويصدّقه ؛ لاتّحاد أصل مأخذهم وصفاء محلّهم حال التلقّي من الحقّ عن أحكام العلوم المكتسبة والعقائد
__________________
(١) ق : الذكرية.
(٢) ح. س : الذين لم يتحقّق ، ق : لم يتحقّقوا.
(٣) ب : وأمن.
(٤) ق : اقبضته.
(٥) ب : فتعيّن.
(٦) ه : ما.