الروحانيّات ، وحجبا ظلمانيّة إن كانت أحكام الموجودات الطبيعيّة والجسمانيّات ، فإذا قهرها هذا التجلّي المذكور ، وأظهر حكم الأحديّة المستجنّة في الكثرة اللازمة لذلك الموجود المتجلّى له على نحو ما مرّ ، اتّحدت أحكام الأحديّات المذكورة من قبل في الأصل الجامع لها ، وارتفعت موجبات التغاير بظهور حكم اتّحاد الأحكام المتفرّعة من الواحد الأحد ، كما سبقت الإشارة إليه فسقطت أحكام النسب التفصيليّة والاعتبارات الكونيّة بشروق شمس الأحديّة ؛ فإنّ العالم محصور في مرتبتي الخلق والأمر ، وعالم الخلق فرع وتابع لعالم الأمر ، (وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ) (١) ، فإذا ظهرت الغلبة الإلهيّة بحكم أحديّتها المذكورة ، فني من لم يكن له وجود حقيقي ـ وهي النسب الحادثة الإمكانيّة ـ وبقي من لم يزل وهو الحقّ ، فظهر حكم العلم الإلهي وخاصّيّته بالحال للأزلي (٢) لم يتجدّد له أمر غير (٣) ظهور إضافته إلى العين المتعيّنة فيه أزلا ، الموصوفة الآن بواسطة التجلّي النوري بالعلم ؛ لما تجدّد لها من إدراكها عينها وما شاء الحقّ أن يطلعها عليه في حضرة العلم اللدنّي بصفة وحدتها ونور موجودها (٤) ، وما قبلت من تجلّيه الوجودي الذي ظهر به تعيّنها في العلم (٥) الأزلي.
ثم ليعلم أنّ لهذا العلم الذي هو نور الهويّة الإلهيّة حكمين أو قل : نسبتين ـ كيف شئت ـ : نسبة ظاهرة ، ونسبة باطنة ، فالصور الوجوديّة المشهودة هي تفاصيل النسبة الظاهرة ، والنور المنبسط على الكون ـ المدرك في الحسّ ، المفيد تميّز (٦) الصور بعضها من بعض ـ هو حكم النسبة الظاهرة من حيث كلّيّتها وأحديّتها.
وإنّما قلت : «حكم النسبة الظاهرة» من أجل أنّ النور من حيث تجرّده لا يدرك ظاهرا ، وهكذا حكم كلّ حقيقة بسيطة وإنّما يدرك النور بواسطة الألوان والسطوح القائمة بالصور ، وكذا سائر الحقائق المجرّدة لا تدرك ظاهرا إلّا في مادّة ، والنسبة الباطنة هي معنى النور ومعنى الوجود الظاهر وروحه الموضح للمعلومات المعنويّة والحقائق الغيبيّة (٧) الكلّيّة ، التي
__________________
(١) يوسف (١٢) الآية ٢١.
(٢) ق : الأزلي.
(٣) ق : عن.
(٤) ق : موجدها.
(٥) ق : العلمي.
(٦) ق : تمييز.
(٧) ق : العينية.