لا تظهر في الحسّ ظهورا يرتفع عنها به حكم كونها معقولة ، وتفيد (١) أيضا ـ أعني هذه النسبة الباطنة العلميّة النوريّة ـ معرفة عينها ووحدتها وأصلها الذي هو الحقّ ونسب هويّته التي هي أسماؤه الأصليّة ، أو قل : شؤونه ـ وهو الأصحّ ـ ومعرفة تمييز بعضها من بعض وما هو منها فرع تابع ، وأصل متبوع ؛ وكذلك تفيد معرفة الحقائق المتعلّقة بالموادّ والنسب التركيبيّة وما لا تعلّق له بمادّة ولا شيء من المركّبات ، وما يختصّ بالحقّ من الأحكام ويصحّ نسبتها إليه ، وما يخصّ العالم (٢) وينسب إليه ، وما يقع فيه الاشتراك بنسبتين مختلفتين. هذا إلى غير ذلك من التفاصيل التابعة لما ذكر.
فصور الموجودات نسب ظاهر النور ، والمعلومات المعقولة هي تعيّنات نسبه (٣) الباطنة التي هي أعيان الممكنات الثابتة ، والحقائق الأسمائيّة الكلّيّة وتوابعها من الأسماء.
فالعالم بمجموع صوره المحسوسة وحقائقه الغيبيّة المعقولة ، أشعّة نور الحقّ ، أو قل : نسب علمه ، أو صور أحواله ، أو تعدّدات تعلّقاته ، أو تعيّنات تجليّاته في أحواله المسمّاة من وجه أعيانا ، فظاهر (٤) العلم صورة النور ، وباطنه المذكور معنى النور ، غير أنّ ظهور صورة النور توقّف على امتياز الاسم «الظاهر» بسائر توابعه المنضافة إليه عن معنى النور ، فصار الباطن بما فيه متجلّيا ومنطبعا في مرآة مّا ظهر منه.
وهكذا كلّ نسبة من نسب ما ظهر مرآة لنسبة مّا من النسب الباطنة النوريّة العلميّة ، مع أحديّة الذات الجامعة لسائر النسب الباطنة والظاهرة وقد أخبر الحقّ سبحانه أنّه : (نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (٥) ، ثم ذكر الأمثلة والتفاصيل المتعيّنة بالمظاهر على نحو ما تقتضيه مراتبها كما سبق التنبيه عليه ؛ ثم قال في آخر الآية : (نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ) (٦) فأضاف النور إلى نفسه مع أنّه عين النور ، وجعل نوره المضاف إلى العالم الأعلى والأسفل هاديا إلى معرفة نوره المطلق ، ودالّا عليه ، كما جعل المصباح والمشكاة والشجرة وغيرها من الأمثال هاديا إلى نوره المقيّد وتجلّياته المتعيّنة في مراتب مظاهره ، وعرّف
__________________
(١) ق : تقيد.
(٢) ب : يختص بالعالم.
(٣) ق : لنسبه.
(٤) س : فالظاهر.
(٥) النور (٢٤) الآية ٣٥.
(٦) النور (٢٤) الآية ٣٥.