يعلم لا محالة ، ثم إذا أدركه وجد مزية وحالا لم يكن يجدهما في الحالة الأولى ، وليست تلك المزية إلا ما قلناه.
فإن قيل : ولم قلتم إن صحة الإدراك هو لكونه حيا؟ قيل له : لأن ما دخل في جملة الحي صح الإدراك به كاليد الصحيحة ، وما خرج عن كونه حيا خرج عن صحة الإدراك به كاليد المبانة.
فإن قيل : إنما لم يصح الإدراك باليد المبانة لأنها منفصلة عنه ، قلنا ، إنا قد ذكرنا أنه مما لا تأثير للاتصال والانفصال في ذلك. على أنا نفرض الكلام في اليد الشلاء ، فإنها متصلة مع أن الإدراك بها لا يصح ، وكذلك بالشعر والظفر مع اتصالهما بالحي ولم يصح بهما الإدراك لما خرجا عن جملة الحي ، فصح وتقرر ما أردناه.
فإن قيل : قد بينتم أن صحة الإدراك إنما هو لكونه حيا ، فبينوا أن المقتضى لذلك إنما هو كونه حيا بشرط وجود المدرك ، حتى إذا ثبتت هذه الصفة في القديم تعالى ، وجب القضاء بكونه مدركا للمدركات.
قيل له : الذي يدل على ذلك ، أن أحدنا متى كان حيا والحالة صحيحة والموانع مرتفعة والمدرك موجود فلا بد من أن يدركه لا محالة ، ولن يكون هكذا إلا ولهذه الأمور تأثيرا لأن الحكم يدور عليها نفيا وإثباتا ، فلا يخلو ، إما أن يكون الكل شرطا والمؤثر غيرها ، أو الكل مقتضى ، أو بعضها شرط والباقي مقتضى.
لا جائز أن يقال : إن الكل شرط والمؤثر غيرها ، وإلا لزم في الواحد منا مع صحة الحالة وارتفاع الموانع وجود المدرك أن لا يدركه لعدم ذلك المؤثر والمعلوم خلافه. وبهذه الطريقة أبطلنا القول بأن الإدراك معنى.
ولا أن يقال : إن الكل مقتضى ، لأن الأمور الكبيرة المختلفة لا يجوز اجتماعها على اقتضاء حكم وإيجابه ، فلم يبق إلا أن يقال : إن البعض شرط والباقي مقتض.
ولا يجوز أن يقال : إن صحة الحاسة هو المؤثر ، لأنه ليس المرجع بها إلا إلى تأليف مخصوص ، والتأليف لا حظ له في إيجاب كون الحي مدركا لأن هذه الصفة ترجع إلى الجملة ، وحكم التأليف مقصور على محله.
ولا أن يقال : إن المؤثر هو ارتفاع الموانع ، لأنه راجع إلى النفي وكونه مدركا أمر ثابت ، والأحكام الثابتة لا تعلل بما يرجع إلى النفي.