الإحكام والاتساق. فلم يبق إلا أن تكون حقيقته من له العلم على ما نقوله.
والأصل في الجواب عن ذلك ، هو أن يقال لهم : هذا توصل بالعبارات إلى المعاني ، وذلك مما لا يجوز لما سنبينه من بعد.
وبعد فما أنكرتم أن حقيقة العالم من يصح منه إيقاع الفعل محكما متسقا إذا كان قادرا عليه ، فلا يلزم على هذا فعل الغير لأنه ليس بقادر عليه ، حتى لو قدر عليه لأمكنه إيقاعه على وجه الإحكام والاتساق.
وبعد ، فلو كان حقيقة في العالم : لوجب فيمن علم أحدهما أن يعلم الأخر في الحد والمحدود ، ومعلوم أن في الناس من يعلم العالم عالما وإن لم يعلم العلم ، كالأصم ونفاة الأعراض وغيرهم ، فإنهم علموا العالم عالما وإن لم يخطر ببالهم العلم.
وعلى أنهم إذا فسروا العالم بمن له العلم ، والعلم مما يوجب كون الذات عالما ، فقد أحالوا أحد المجهولين إلى الآخر.
ومن هذا الضرب قولهم : قد ثبت أنه تعالى عالم ، والعالم مشتق من العلم ، فيجب أن يكون عالما بعلم. وصار هذا كالضارب ، فإنه لما كان مشتقا من الضرب ، وجب في كل ضارب أن يكون ذا ضرب ، كذلك في مسألتنا.
قلنا : هذا توصل بالعبارات إلى المعاني وذلك على الواجب. يبين ذلك أن الشيء يعلم أولا ثم يعبر عنه بعبارة ، وأنتم قد عكستم هذه القضية.
وبعد فلو لم يخلق الله تعالى العرب ، أو خلقهم خرسا ، أليس كان يلزمكم أن تعلموه عالما بعلم ، فبأي شيء كنتم تستدلون على ذلك والحال ما قلناه؟
وبعد ، فلو كان العالم مشتقا من العلم ، لوجب أن يسبق العلم بالمشتق منه على العلم بالمشتق ، كما في الضارب ، فإنه لما كان مشتقا من الضرب سبق العلم بالمشتق منه على العلم بالمشتق ، حتى ما لم نعلم وقوع الضرب من قبله لم نعلمه ضاربا ، فكان يجب مثل ذلك في مسألتنا.
والمعلوم أنهم لا يعرفون العلم معنى يوجب كون الذات عالما ، وإنما يستعملون هذه اللفظة في العالم مرة ، وفي المعلوم مرة أخرى. يقولون : جرى هذا بعلمي ، أي وأنا عالم به. وربما يقولون هذا علم أبي حنيفة وعلم الشافعي ، أي معلومهما ، فكيف يقال : إن قولنا عالم مشتق من العلم.