وبعد ، فإن هذه الطريقة توجب عليهم أن يثبتوا لله تعالى علوما كثيرة ، لأن قولنا عالم إذا أفاد العلم من طريق الاشتقاق ، فقولنا أعلم لا بد من أن يفيد زيادة العلوم والقوم لا يقولون بذلك ، لأن عندهم أن الله تعالى عالم بعلم واحد.
ومنها ، هو أن قالوا إن أحدنا إذا علم القديم تعالى عالما فلا يخلو ، إما أن يتعلق علم بذاته ، أو بمعنى سوى ذاته. لا يجوز أن يتعلق بذاته فقط ، لأن أحدنا يعلم ذاته تعالى وإن لم يعلم كونه عالما ، فليس إلا أنه متعلق بمعنى سوى ذاته ، وهو الذي نقوله.
والأصل في الجواب عن ذلك ، أن علمه هذا لا يتعلق بذاته تعالى فقط ، ولا بمعنى سوى ذاته ، وإنما يتعلق بذاته على الصفة ، كما نقوله في علم الواحد منا بحدوث الأجسام ، لأنه لا يتعلق بذات الجسم ، فقد كان يعلم ذاته وإن لم يعلم كونه محدثا ، ولا بمعنى سوى ذاته ، لاستحالة أن يكون المحدث محدثا لمعنى ، لأن ذلك المعنى لو كان معدوما والعدم بلا ابتداء ، فيلزم قدم المحدث وكذلك إن كان قديما ، وإن كان محدثا فقد شارك الجسم فيما له ولأجله احتاج إلى هذا المعنى ، فيجب أن يكون لمحدثا لمعنى آخر فيتسلسل.
فإن قيل : هذا يبين أن له عزوجل بكونه عالما حالا وصفة ، ونحن لا نسلم ذلك فدلوا عليه ، قلنا : الدليل على ذلك ، هو ما قد ثبت أن أحدنا يستحيل أن يكون عالما بالشيء بعلم في جزء من قبله ، وجاهلا بذلك الشيء بجهل في جزء آخر من قلبه ، فلو لا أنهما يوجبان للجملة صفتين متضادتين وإلا لما استحال ذلك.
فإن قيل : استحالة اجتماعهما لتضادهما ، قلنا : تضادهما لا يخلو إما أن يكون على الجملة ، أو على المحل. فإن كان على الجملة فهو الذي نقوله ، وإن كان على المحل فإنما يستحيل احتماله إذا كان محله واحدا ، وهاهنا قد تغاير بهما المحل فيجب صحة وجودها على الحد الذي ذكرناه ، فلما استحال ، تبينا أن ذلك من حيث يوجب كل واحد من المعنيين صفة معاكسة لما يوجبه الآخر على ما نقوله.
ومما يقولونه : إن صحة الفعل المحكم دلالة العلم ، والأدلة لا تختلف.
وجوابنا ، أنه حكم صادر عن الجملة فلا يدل على ما يختص البعض.
ومما يتعلقون به من هذا الضرب ، قولهم : إن العالم منا محتاج إلى العلم ، فلا يخلو ، إما أن يكون احتياجه إلى العلم لمجرد هذه الصفة ، أو لجوازها. لا يجوز أن يقال إن حاجته إلى العلم لجواز هذه الصفة لأن الجواز ثابت في الجاهل ، فلم يبق إلا