المعنى واختلافهما في الاشتقاق ، ولهذا فإن القعود والجلوس معناها واحد ، ثم القعود مشتق من قعد ، والجلوس مشتق من جلس.
الوجه الثاني : في ذلك هو أن نقول : إن أهل اللغة لما اعتقدوا في الواحد منا أنه أضر بالغير الضرر الذي ذكرناه ، سموه ظالما ، ومتى لم يعتقدوا ذلك فيه لم يسموه به كما أنهم لما اعتقدوا تعلق الضرب والشتم بالواحد منا تعلق الفعل بفاعله سموه ضاربا وشاتما ، فكما أن الضرب والشتم اسم لن فعل الضرب والشتم ، فكذلك الظالم يجب أن يكون اسما لمن فعل الظلم.
فإن قيل : إنهم أخطئوا في الاعتقاد. قلنا : هب أنهم أخطئوا في الاعتقاد ، أليسوا قد أصابوا في هذه التسمية؟ وهذا القدر كاف. وصار ذلك كتسمية الأصنام آلهة لاعتقادهم أنها تستحق العبادة ، فكما أن خطأهم في الاعتقاد لم يمنع من إصابتهم في التسمية ، كذلك هاهنا.
فإن قيل : لم لا يجوز أن يكون الظالم اسما لمن حله الظلم؟ قلنا لا لو كان كذلك لوجب لو تفرد الله تعالى بالظلم أن لا يكون ظالما ، وعندكم أنه تعالى لو تفرد بالظلم لكان ظالما.
وبعد ، فإن الظالم لو كان اسما لمن حله الظلم لوجب أن ترجع أحكامه إلى محله ، فيذم اللسان إذا شتم ، والرجل إذا ركلت ، واليد إذا لطمت ، ومعلوم خلافه. وصار هذا كما تقوله الكلابية إذ جعلوا التكلم اسما لمن حله الكلام ، وكان يجب أن يكون اللسان هو القاذف ، لأنه هو الذي حله القذف ، أن يكون هو الرسول أيضا ، لأنه الرسالة والبلاغة إنما تحصلا له به ، ويحلانه وهذا يوجب أن يجلد ويستخف به للقذف ، ويعظم ويبجل للرسالة ، وهذا محال.
وبعد ، فإن حقيقة الظلم : كل ضرر لا نفع فيه ولا دفع ضرر ، ولا استحقاق ، ولا الظن لأحد الوجهين المتقدمين ، ولا يكون في الحكم كأنه من جهة المضرور ، ولا يكون كأنه من جهة غير فاعل الضرر ، وهذا إنما يحل المظلوم دون غيره ، فيجب أن يكون هو الظالم.
وبعد ، فلو جاز أن يقال إن الظالم اسم لمن حله الظلم لجاز مثله في العادل ، فيوجب أن لا يوصف الله تعالى بأنه عادل ، كما لا يوصف بأنه ظالم.
فإن قيل : ما أنكرتم أن الظالم اسم لمن جعل الظلم ظلما له؟ قلنا : لو كان