وبعد ، فإذا كان كل واحدة من الحركتين متعلقة بالله تعالى ، فليس إحداهما بأن تجعل كسبا لنا أولى من الأخرى ، فكان يجب أن يجعل كل واحدة منهما كسبا لنا ، أو يقضي بأن شيئا من ذلك لا يتعلق بنا لا من جهة الكسب ولا من غيره.
وبعد ، فإن هذه التفرقة ثابتة في المتولدات ثباتها في المباشر ، فكان يجب أن يجعل المتولدات كسبا لنا ، والمعلوم خلافه.
وبعد ، فإن دل هذا على أن إحدى الحركتين متعلقة بنا من جهة الكسب ، ليدلن أيضا على أنها متعلقة بنا من جهة الحدوث ، وإلا فما الفرق؟
فإن قالوا : إنا نعني بالكسب وقوع هذه الحركات ، قياما مرة ، وقعودا أخرى ، هذا من أفعال من الجوارح ، ومن أفعال القلوب ، فوقوع الاعتقاد علما مرة ، وجهلا أخرى.
قلنا : إن الوقوع إن لم يفسر بالحدوث فلا بد من أن يفسر بالكسب ، فيكون تفسير الشيء بنفسه ، وذلك مما لا يجوز.
بعد ، فإن القيام والقعود راجع إلى جملة أفعال ، والكسب فمن حقه أن يرجع به إلى كل جزء من الفعل ، فكيف يصح ما ذكرتموه؟.
وقد قال مشايخنا رحمهمالله : إن الكسب لو كان معقولا لكان يجب أن نسمي القديم تعالى مكتسبا ، والمعلوم خلافه.
ووجه هذا الإلزام وجهان :
أحدهما : أن الله تعالى قادر لذاته ، ومن حق القادر لذاته أن يكون قادرا على جميع أجناس المقدورات ، وعلى جميع الوجوه التي يصح أن يقدر عليها ، ومن الوجوه التي يقدر عليها الكسب ، فيجب أن يكون تعالى قادرا عليه ، فإذا قدر عليه وفعله وجب أن يسمى مكتسبا على ما ذكرناه.
والوجه الثاني : هو أن هذه التصرفات عند القوم متعلقة بالله تعالى على سائر صفاتها ووجوهها ، ومن وجوه الأفعال الكسب ، فيجب تعلقه به من هذا الوجه ، وفي ذلك ما نريده.
فإن قالوا : ليس يجب أن يكون الله تعالى مكتسبا ، لأن الكسب هو ما يقع بقدرة محدثة.