فاعل في الشاهد.
وأيضا ، فإن هذا يقتضي أن يكون للفاعل وقدرته فيه تأثير ، وذلك خلاف ما ذهبتم إليه ، لأن عندكم أن هذا الفعل يتعلق بالله تعالى ، إن شاء أبصره مع القدرة ، وإن شاء أبصره ولا قدرة.
وأيضا : فلو جاز أن يقال : هذه الأفعال كسب لنا مع أنها متعلقة بالله تعالى على سائر وجوهها ، لجاز في القدرة مثله. فيقال : إنها كسب لنا وإن لم تتعلق بنا البتة. فإن قالوا : إن الكسب ما وقع وكانت القدرة قدرة عليه على ما يقوله بعضهم ، فإن ما ذكرناه في الحد الأول يعود هاهنا فلا معنى لإعادته.
ونقول أيضا : وعلى أي وجه تكون القدرة قدرة عليه؟ فإن قالوا على وجه الإحداث ، فقد تركوا مذهبهم ونقضوا غرضهم ، وإن قالوا على وجه الكسب ، فقد فسروا الكسب بنفسه.
فإن قالوا : الكسب هو ما وقع باختيار الفاعل ، فإن ما ذكرناه من الوجوه الثلاثة على الحد الأول والثاني يعود هاهنا ، ويختص هذا الحد وجهان آخران أو أكثر أحدهما ، أن هذا يوجب فيما يقع من الساهي أن لا يكون كسبا له ، وقد عرف خلافه. والثاني ، أن هذا يقتضي أن المتولد كسب لنا كالمباشر ، لأنه يقع باختيار الفاعل كما أن المباشر يقع باختياره ، ألا ترى أن الكتابة والبناء يقعان باختيار الفاعل لهما مع أنهما من التولدات.
وأيضا ، فإن هذا يوهم أن الاختيار متعلق بالفاعل ، لأنكم أضفتموه إليه ، وعندكم أن الاختيار كالمختار في أن لا يتعلق بالفاعل.
وأيضا ، فإن عندكم أنه لا فاعل في الشاهد ، فكيف حددتم الكسب به؟ ومتى قلتم : إنا نعني به الكسب ، فقد فسرتم الشيء بنفسه ، وذلك مما لا يخفى فساده.
فإن قالوا : قد وجدنا تفرقة بين الحركة الاختيارية والحركة الاضطرارية ، وعلمنا تعلق إحداها بنا دون الثانية ، فجعلنا الكسب عبارة عن هذه التفرقة.
قلنا : كيف يمكنكم ذلك مع أن كلتي الحركتين موجودتان من جهة الله تعالى؟ ولئن ثبت هذه التفرقة ، فإنما تثبت على مذهبنا ، إذا جعلنا إحدى الحركتين متعلقة بنا من طريق الحدوث دون الطريق الأخرى.