يمكن اعتقاده والإخبار عنه البتة.
فلو قالوا : إنهم عقلوا هذا المعنى واعتقدوه ، غير أنهم لعجزهم عن الكلام عليه وإبطاله كتموه وجحدوه وادعوا أننا لا نهتدي إليه ولا نعقله.
قلنا : إن هذه الطريق إنما تجوز على العدد اليسير بطريق التواطؤ ، فأما على العدد الكثير والجم الغفير ، فإن ذلك مما لا يتصور خاصة وبعض هؤلاء المخبرين من الشرق ، والبعض من الغرب.
وأحد ما يدل على أن الكسب غير معقول ، هو أنه لو كان معقولا ، لوجب كما عقله أهل اللغة وعبروا عنه ، أن يعقله غيرهم من أرباب اللغات وأن يضعوا له عبارة تنبئ عن معناه ، لأنه لا يجوز في معنى عقلوه أن يخلوه عن لفظة تنبئ عنه ، فلما لم يوجد في شيء من اللغات ما يفيد هذه الفائدة البتة ، دل على أنه غير معقول.
وهذه طرقة ذكرها شيخنا أبو هاشم. ولا ينقلب ذلك عليه في الحال ، لأنه لم يثبت الحال معقولة بمجردها ، وإنما جعل الذات على الحال معقولا ، فلا جرم ما من أحد من أرباب اللسان إلا وقد وضعوا للموصوف اسما ، وللصفة اسما ، وفصلوا بين كل واحد منهما بعبارة.
على أن ما ذكره شيخنا أبو هاشم لا يمكن معرفته إلا بدليل دقيق ، ولا يمتنع أن يعرفه بعضهم ولا يعرفه الباقون ، وليس كذلك الكسب ، لأنه لو كان معقولا لعقله العوام والخواص جميعا ، ولوضعوا له عبارة تنبئ عنه لشدة الحاجة إليه.
ثم إنا نقول لهم : عقّلونا معنى الكسب وخبرونا عنه ، فإن اشتغلوا بالتحديد ، قلنا : الشيء يعقل أولا ثم يحد ، لأن التحديد ليس إلا تفصيل لفظ مشكل بلفظ واضح ، فكيف توصلتم إلى معناه بطريق التحديد؟.
ثم يقال لهم : وما هو الذي حددتم به الكسب؟ فإن قالوا : ما وقع بقدرة محدثة ، قلنا : ما تعنون بقولكم ما وقع بقدرة محدثة؟ فإن أردتم به ما حدث فهو الذي نقوله ، وإن أردتم به ما وقع كسبا فعن الكسب سألناكم فكيف تفسرونه بنفسه ، وهل هذا إلا إحالة بالمجهول على المجهول؟
وأيضا ، فإن قولكم ما وقع بقدرة محدثة ، ينبني على إثبات القدرة ، وإثبات القدرة يترتب على كون الواحد منا قادرا ، وذلك ينبني على كونه فاعلا ، ومن مذهبكم أنه لا