له. ولعلهم بنوا ذلك على أن أحدنا لا يجوز أن يكون محدثا لتصرفه ، وأنهم لما أثبتوا الله تعالى محدثا على الحقيقة ، قالوا : إن قدرته متقدمة لمقدورها غير مقارنة له.
ونحن إذا دللنا على فساد مذهبهم دخل تحت ذلك صحة ما ذهبنا إليه ، لأنها إذا لم تكن مقارنة لمقدورها لم يكن بد من أن تكون متقدمة له.
والذي يدل على فساد مذهبهم ، هو أنه لو كانت القدرة مقارنة لمقدورها لوجب أن يكون تكليف الكافر بالإيمان تكليفا لما لا يطاق ، إذ لو أطاقه لوقع منه ، فلما لم يقع منه دل على أنه غير قادر عليه ، وتكليف ما لا يطاق قبيح ، والله تعالى لا يفعل القبيح.
وإن شئت بنيت هذه الدلالة على أصل آخر ، فتقول : إن القدرة صالحة للضدين ، فلو كانت مقارنة لهما لوجب بوجودها وجود الضدين ، فيجب في الكافر وقد كلف الإيمان أن يكون كافرا مؤمنا دفعة واحدة ، وذلك محال.
ومتى قالوا : ومن أين أن القدرة صالحة للضدين؟ قلنا : من حيث إنها لو لم تكن صالحة للضدين ، لوجب أن يكون تكليف الكافر بالإيمان تكليفا لما لا يطاق ، وذلك قبيح ، والله تعالى لا يفعل القبيح.
فإن قيل : لا يلزم أن يكون تكليف الكافر بالإيمان تكليفا لما لا يطاق لأن فيه القدرة ، قيل له : إن ما فيه من القدرة لا يخلو ، إما أن تكون قدرة على الإيمان ، أو على غير الإيمان. فإن كانت قدرة عليه وجب حصوله لأنها موجبة عندكم ، وإن كانت قدرة على غيره فإن وجود تلك القدرة وعدمها سواء ، أو يكون سبيله سبيل اللون إذا وجد فيه ، فكما أن ذلك لا يوجب حسن التكليف ، كذلك هذا.
فإن ارتكبوا تكليف ما لا يطاق ، كان في ذلك خروج عن الإسلام وانسلاخ عن الدين ، لأن الأمة من لدن النبي صلىاللهعليهوسلم إلى اليوم الذي وقع فيه الخلاف لم يجوزوا ذلك على الله تعالى. فإن قالوا : إنما لا يجوز عليه لما اعتقدوا فيه القبح ولم يثبت قبح هذا التكليف ، قلنا : إن المنع من قبح ما هذا سبيله مما لا وجه له ، فإن كل عاقل يعلم بكمال عقله أن تكليف الأعمى بنقط المصحف على جهة الصواب وتكليف الزمن بالمشي قبيح ، اللهم إلا إذا كان الكلام في وجه قبحه فينازع الخصم في ذلك ويقول : لا أسلم أنه إنما قبح لكونه تكليفا لما لا يطاق. والذي يدل على إن هذا هو الوجه في قبحه لا غيره ، هو أنه متى علمناه على هذه الصفة علمنا قبحه وإن لم نعلم شيئا آخر ،