كالوصلة إلى الفعل من الآلات نحو القوس وغيرها ؛ ومعلوم أن ما هذا سبيله يجب فيها التقدم. والذي يبين لك أن القدرة كالوصلة إلى الفعل ، هو أن الفعل إنما يحتاج إلى القدرة لخروجه من العدم إلى الوجود ، وإذا كان محتاجا إليها في هذا الوجه وجب ما ذكرناه ؛ والذي يدل على أن الفعل إنما يحتاج إلى القدرة لخروجه عن العدم إلى الوجود ، هو أنه لا يخلو ؛ إما يكون محتاجا إليها لهذا الوجه ، أو لغيره : لا يجوز أن يكون محتاجا إليها لغير هذا الوجه لأن احتياج الفعل إلى القدرة ظاهر ، فلا يخلو ، إما أن يكون محتاجا إليها في حالة الوجود والحدوث ، أو في حالة العدم. لا يجوز أن يكون محتاجا إليها في حالة الوجود لأن حالة الوجود حالة الاستغناء عنها ، فليس إلا أن يحتاج إليها في حالة العدم على ما نقوله.
فإن قيل : ولم قلتم : إن حالة الوجود وحالة الاستغناء؟ قلنا : لأن الفعل لو لم يستغن عن القدرة في حالة الحدوث لم يستغن أيضا في حالة البقاء ، والمعلوم خلافه.
فإن قيل : ولم جمعت بينهما؟ قلنا : لأن الذي أوجب احتياجه إلى القدرة في إحدى الحالتين ثابت في الحالة الأخرى ومع ثبات ذلك الوجه لم يجز الافتراق في الحاجة بحسب اختلاف حالتي الحدوث والبقاء ، لأن كل حكم ثبت للذات في حالة الحدوث لعلة من العلل يجب ثباته في حالة البقاء لمكان تلك العلة ، ألا ترى أن الجوهر لما وجب أن يكون متحيزا في حالة الحدوث لكونه مقتضى من صفة الذات وجب ذلك أيضا في حالة البقاء ، ولما صح أن يكون كائنا في هذه الجهة بدلا من هذه لتحيزه في حالة الحدوث صح ذلك في حالة البقاء ، ولما استحال أن يكون مجتمعا مفترقا في حالة الحدوث لاستحالة اجتماع الضدين استحال ذلك في حالة البقاء أيضا؟ فصح بما قلناه : أن الفعل لو احتاج إلى القدرة في حالة الحدوث لوجب احتياجه إلى القدرة في حالة البقاء ، والمعلوم خلافه.
فإن قيل : كيف يصح هذا وعندكم أن الفعل يحسن في حالة الحدوث ولا يحسن في حالة البقاء؟ قلنا : إنما كان ذلك كذلك لأن الفعل إنما يحسن لوقوعه على وجه ويقبح لوقوعه على وجه وذلك تابع للحدوث ، فصح ما قلناه. وهكذا الجواب إذا قالوا : أليس المنع يكون منعا في حالة الحدوث ولا يكون كذلك في حالة البقاء ، لأنه إنما يكون منعا لتعلقه بالفاعل ولذلك اختص حالة الحدوث ، بخلاف الفعل عندهم فإنه إنما يتعلق بالقدرة لوجوده ، وذلك في حالة البقاء كهو ، في حالة الحدوث.
وأحد ما يدل على أن القدرة لا تتعلق بالموجود ، هو أنه لو تعلقت قدرتنا