القيامة الآن لعلمه أنه لا يقيمها ، ومعلوم خلافه.
وعند هذا الإلزام افترقوا فمنهم من ارتكب ذلك وقال : إنه تعالى لا يقدر ومنهم من لم يرتكب ، فزعم أنه قادر على ذلك.
فمن لم يرتكب ذلك ، لم يمكنه القول بأن القدرة على خلاف المعلوم محال ، لأنه لا فرق في هذه القضية بيننا وبين الله تعالى.
ومن ارتكب ذلك ، يلزمه القول أن يكون الله تعالى غير قادر على خلق البياض في الزنجي بدلا من السواد ، والسواد في الرومي بدلا من البياض ، وذلك يوجب أن لا يكون القديم تعالى مخيرا في أفعاله ، وقد علمنا خلاف ذلك.
قالوا : القدرة على خلاف المعلوم قدرة على تجهيل الله تعالى. قلنا : إن الجهل هو ما به يصير الذات جاهلا ، والذات إنما يصير جاهلا بالجهل ، والإيمان ليس من الجهل في شيء ، فكيف يصح قولهم : إن الكافر لو كان قادرا على الإيمان لوجب أن يكون قادرا على تجهيل الله تعالى.
ثم يقال لهم : يلزمكم على هذا القول إذا أقدر الله الكافر على الإيمان أن يكون قد أقدره على تجهيل نفسه ، وإذا أمره بالإيمان ورغبه فيه ووعده بالثواب الجزيل عليه أن يكون قد أمره بتجهيل نفسه ورغبه فيه ، وذلك كفر من مرتكبه.
ويلزمهم أيضا ، أن يكون قد بعث الله الرسل إلى الكفرة ليجهلوه ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
قالوا : لو قدر الكافر على خلاف ما علمه الله تعالى من حاله لصح وقوعه منه لأن هذا هو الواجب في القادر على الشيء ، ولو صح وقوعه منه لوجب وقوعه في بعض الحالات ، وذلك يوجب كون القديم تعالى جاهلا.
قيل له : لم وجب إذا صح منه خلاف المعلوم أن يقع في بعض الحالات ، أليس أحدنا مع قدرته على السفر لا يسافر البتة ، بل يقي طول عمره؟.
فإن قال : لو قدرنا أن يقع منه خلاف ما علمه الله تعالى ولا يمكنكم المنع من هذا التقدير للزم أن يصير جاهلا وأن يكون قد تغير حاله في كونه عالما ، لأنه كان يعلم أن هذا الفعل لا يوجد ، والآن فلا بد من أن يعلم وجوده ، وهذان الاعتقادان متضادان.