أن يكون بمثابته في القبح ، والذي يؤثر في كون الكلام أمرا وخبرا ليس إلا الإرادة.
فإن قيل : يلزم على هذا أن تكون القدرة على القبيح قبيحة ، لأنها تؤثر في ذلك.
قلنا : إن بينهما فرقا ، فإن القدرة مصححة ، وتأثيرها على طريق التصحيح ، خلاف الإرادة.
فإن قيل : هلا انقسمت إرادة القبيح إلى ما يكون قبيحا وإلى ما يكون حسنا كما تنقسم إرادة الحسن إلى ما يكون حسنا وإلى ما يكون قبيحا؟
قلنا : إن إرادة القبيح إنما تقبح لكونها إرادة للقبيح ، بدليل أنها متى عرف كونها على هذه الصفة عرف قبحها وإن لم يعلم أمر آخر ، ومتى لم يعرف كونها على هذه الصفة جوز أن تكون حسنة وجوز أن تكون قبيحة ، فلم يجز انقسامها إلى قبيح وحسن ، وليس كذلك إرادة الحسن ، فإنها لا تحسن لكونها إرادة للحسن ، فلم تمتنع تلك القسمة التي ذكرناها. ولهذا فإن المستحق للعقوبة ، لو أراد من الله تعالى أن يعاقبه فإن إرادته قبيحة والعقوبة حسنة.
فإن قيل : لو وجب في الإرادة المتعلقة بالقبيح أن تكون قبيحة كلها ، لوجب في الإرادة المتعلقة في الحسن أن تكون حسنة كلها ، لأنهما في طرفي نقيض.
قلنا : غير ممتنع في فعل من الأفعال إذا كان قبيحا كله أن لا يكون نقيضه حسنا كله ، فإن الكذب قبيح كله ، ثم ليس يجب في الصدق أن يكون حسنا كله ، فإنك تعلم أن من الصدق المتضمن لدلالة على نبي قد توارى عن عدوه يكون قبيحا ، وكذلك فإن تكليف ما لا يطاق قبيح كله ، ولا يجب في تكليف ما يطاق أن يكون حسنا كله.
وأحد ما يدل على أنه تعالى لا يجوز أن يكون مريدا للعاصي ، هو أنه تعالى لو كان مريدا لها لوجب أن يكون حاصلا على صفة من صفات النقص وذلك لا يجوز على الله تعالى ، وبهذه الطريقة نفينا الجهل عن الله تعالى.
فإن قيل : ولم قلتم إذا كان مريدا للمعاصي وجب أن يكون حاصلا على صفة من صفات النقص؟
قلنا : الدليل على ذلك الشاهد فإن أحدنا متى كان كذلك ، كان حاصلا على صفة من صفات النقص ، وإنما وجب ذلك لكونه مريدا للقبيح ، فيجب مثله في الله تعالى.
فإن قيل : إنما وجب ذلك في الواحد منا لأنه مريد بإرادة محدثة يستحق بفعلها