مواظبتهم على ذلك.
فإن قالوا : إنا قد احترزنا من ذلك بقولنا وله المنع ، وليس للإمام أن يمنع الذمي من المضي إلى البيعة ، فلا يلزم. قلنا : هذا احتراز لمجرد دفع الإلزام فلا يقبل ، لو لا هذا وإلا كان لا يعجز أحد من المبطلين عن دفع ما ألزم ، ففسد ما ظنوه بهذا الجنس من الاحترازات.
وبعد ، فإنا نعرض الكلام في الحربي فيسقط هذا الاعتراض.
ثم يقال لهم : إنا لا نسلم أن للقديم تعالى أن يمنع الكفار عن الكفر مع أنه يريد تبقية التكليف عليهم ، لأن في ذلك رفع التكليف أصلا وإبطال استحقاق المدح والذم ، فكيف يصح ما قالوه.
ومما يحتجون به في هذا الباب ، قولهم إن الله تعالى لو كان مريدا للطاعات ، لوجب إذا حلف الواحد منا ليأتين بعض الطاعات ، وعلقه بمشيئة الله تعالى كأن يقول : والله لأصومن غدا إن شاء الله تعالى ، أن يحنث إن لم يأت بتلك الطاعة ، وقد أجمعت الأمة على خلافه ، فدل على أنه تعالى إنما يريد الواقعات كفرا كان أو إيمانا لا الطاعات على ما تقولونه.
والأصل في الجواب عن ذلك على ما ذكره شيخنا أبو علي ، هو أن هذا الكلام لا يراد به حقيقة الشرط ، وإنما يورد لقطع الكلام عن النفاذ ، وليعلم أنه شاك متردد في ذلك غير قاطع عليه كما يقتضيه العرف ، وإذا كان كذلك لم يجب أن يحنث ، وهذه الطريقة سلكها شيخنا أبو هاشم.
فأما شيخنا أبو عبد الله البصري ، فقد أجاب بجواب آخر ، فقال : إن هذا الكلام وإن كان يراد به حقيقة الشرط ، فإن غرض القائل بذلك : أفعل إن وفق الله تعالى لذلك وسهل إليه سبيلي ، وإذا لم يحصل ذلك دل على أنه لم يوفق إليه ، لأنه لم يكن له في المعلوم لطف يختار عنده الملطوف فيه لا محالة ، ولهذا لا يحنث.
إلا أن ما ذكره شيخنا أبو علي أسلم وأصح.
وأبو علي لما ذكر في الجواب ما حكيناه ، قيل له : فلو أراد به حقيقة الشرط كيف يكون الحال؟ قال : إنه كان يحنث ، فقيل له : خرقت الإجماع ، فقال : لا ، لأن الإجماع لم ينته إلى ما انتهينا إليه ، فلو انتهوا إلى هذا الموضع لما أجابوا إلا بمثل ما