وحجته في هذا الباب قول زهير :
ولأنت تفرى ما خلقت |
|
وبعض القوم يخلق ثم لا يفرى |
قالا : أثبت الخلق ونفى الفرى ، فدل على أن الخلق معنى على ما نقوله.
والأصل في الجواب عن ذلك ، أن هذا غير جائز على مذهبهما ، لأن أبا هاشم لا يجوز أن يحصل الخلق ولا يحصل المخلوق ، وهكذا فإن أبا عبد الله لا يجوز حصول الفكر ثم لا يحصل الفعل. فإذا إن دل ما أوردوه على فساد ما اخترناه ، ليدلن على فساد ما ذكروه ، على أنا قد بينا أن مراد زهير بذلك ، أنك تقطع ما تقدر وفي الناس من هو بخلاف ذلك ، فلا مطعن على كلامنا.
ونعود بعد هذه الجملة إلى تمام الأدلة الدالة على أن كلام الله تعالى لا يجوز أن يكون قديما.
فمن جملة ما يدل على ذلك ، هو أنه لو كان كلام الله تعالى قديما لوجب أن يكون مثلا لله تعالى لأن القدم صفة من صفات النفس ، والاشتراك في صفة من صفات النفس يوجب التماثل ، ولا مثل لله تعالى.
وأيضا ، فلو كان قديما ، لوجب أن يكون عالما لذاته ، قادرا لذاته ، كالقديم تعالى سواء ، لما قد ذكرناه فيما قبل أن الاشتراك في صفة من صفات النفس يوجب الاشتراك في سائر صفات النفس ، ومعلوم خلافه.
وأيا ، فإن العدم مستحيل على القديم تعالى ، فلو كان الكلام قديما لما جاز أن يعدم ، ومعلوم أنه لا يمكن وقوعه على حد يعاد به ، إلا إذا وجد حرف عند عدم حرف ، يبين ما ذكرناه ويوضحه ، أن أحدنا إذا قال : الحمد لله فإنه لا بد من أن يقوم حال وجود اللام الهمزة ، وحال وجود الحاء اللام ، وحال وجود الميم والدال اللام والحاء ، حتى لا يلتبس الحمد بالمدح ، والمدح بالدمح ، ومعلوم أن ما هذا سبيله لا يجوز أن يكون قديما.
وأيضا ، فإن كلامه عزوجل لا يخلو ، إما أن يكون مثلا لكلامنا ، أولا. فإن كان مثلا لكلامنا ، فلا يجوز أن يكون قديما ، لأن المثلين لا يجوز افتراقهما في قدم ولا حدوث. وإذا كان مخالفا لكلامنا فلا يعقل ، لأن الكلام هو هذا الذي نسمعه ، فلو جاز أن يكون في الغائب كلام مخالف لا نسمعه فيما بيننا ، لجاز أن يكون هناك لون آخر مخالف لهذه الألوان ، ولجاز أن يكون هناك معان آخر قديمة مخالفة لهذه