أما الدلالة العقلية في ذلك ، فدلالتان :
إحداهما : أن القديم تعالى أوجب علينا الواجبات والاجتناب عن المقبحات ، وعرفنا وجوب ما يجب وقبح ما يقبح ، فلا بد من أن يكون لهذا التعريف والإيجاب وجه ، ولا وجه له إلا أنا إذا أخللنا به أو أقدمنا على خلافه من قبيح ونحوه استحققنا من جهته ضررا عظيما.
فإن قيل : ولم لا يجوز أن يكون الوجه في ذلك ، أنا إذا أخللنا به وأقدمنا على خلافه استحققنا الذم من الله تعالى ومن جهة العقلاء.
قيل له : إن الذم إذا تعرى عن ضرر يتبعه لم يحتفل به ، ولهذا لا نبالي بذم هؤلاء المخالفين لنا لما لم يتبعه مضرة.
فإن قيل : هلا جاز أن يكون الوجه في الإيجاب هو لكي يستحق من جهته الثواب.
قيل له : لا ، لأن الثواب نفع وطلب النفع لا يجب ، فالإيجاب لأجله لا يحسن ، لو لا ذلك وإلا كان يحسن منه إيجاب النوافل ، فإن بها أيضا يستحق الثواب ، ومعلوم خلافه.
فإن قيل : هلا حسن منه هذا الإيجاب لوجوب هذه الواجبات؟ قيل له : إن وجوب الشيء في نفسه لا يكفي في حسن الإيجاب ، ولهذا فإن من خوفه السلطان بقطع عضو من أعضائه إن لم يشاطره على ماله ، فإنه يجب عليه أن يشاطره على ما له وإن كان لا يحسن من السلطان ذلك الإيجاب.
فإن قيل : يلزم على هذا تجويز أن يوجب الله تعالى القبائح ، ويقبح الواجبات ، ومتى امتنعتم من ذلك فلا ذلك : إلا لأن الإيجاب إنما يجوز ويحسن لوجوب الشيء في نفسه. قيل له : إن ما ذكرته مما لا يلزمنا ، لأنا قلنا ، لا يكفي وجوب الشيء في حسن الإيجاب ، بل لا بد من اعتبار أمر آخر وهو استحقاق الضرر إن أخللنا به ، وإنما كان يلزم ذلك ، أن لو قلنا : لا يجب فيما أوجبه الله تعالى أن يكون واجبا أصلا ، وذلك مما لم نقله ، فهذه دلالة.
والدلالة الثانية : ما قاله الشيخ أبو هاشم ، وتحريرها ، أن القديم تعالى خلق فينا شهوة القبيح ونفرة الحسن ، فلا بد من أن يكون في مقابلته من العقوبة ما يزجرنا عن