القبيح ، فكذلك في العقاب ، وقياسهم ذلك على الشاهد لا يصح ، لأن العباد لا يستحق بعضهم من بعض العقاب.
ومما يتعلقون به في ذلك ، أن العقاب ضرر من جهة الله تعالى ، وإيصال الضرر إلى الغير إنما يحسن لتشفي الغيظ ، أو لنفع المعاقب أو المعاقب ، وأي هذه الوجوه كان فهي مفقودة في مسألتنا هذه ، فيجب القضاء بقبح العقاب من جهة الله تعالى.
والجواب ، أن هذه القسمة محتملة للزيادة غير مترددة بين النفي والإثبات ، فلا يصح الاحتجاج بها ، على أن هذه الوجوه التي ذكرتها مما لا تأثير لها في حسن العقاب فإن تشفى الغيظ مما لا يتضمن وجها في حسن الإضرار بالغير ، وهكذا نفع المعاقب ، وبعد ، فقد خلت هذه القسمة عن مذهب الخصم ، فإن من مذهب من خالف في هذه المسألة أنه إنما يحسن من الله تعالى معاقبة المكلف لاستحقاقه له بإقدامه على القبائح وإخلاله بالواجبات ، ولم يدخل هو هذا القسم في القسمة ، التي أوردها ففسد كلامه. ثم تقلب عليهم هذه القسمة في الذم. فيقال : إن الذم أيضا ضرر فيجب أن لا يحسن إلا لتشفي الغيظ أو للنفع على ما ذكرتموه ، ومعلوم خلافه. فإن قالوا : بل للاستحقاق ، قلنا : فارضوا منا بمثله في العقاب ، فثبت بهذه الجملة استحقاق الثواب والعقاب ، وإذا صح ذلك ، فاعلم أن الثواب إنما يستحق على الطاعات والعقاب على المعاصي.
فإن قيل : يجب على هذا أنه لو جمع المكلف بين الطاعات والمعاصي أن يكون مثابا معاقبا في حالة واحدة ، وذلك محال. وجوابنا أن هذا إنما يلزمه لو لم يسقط واحد منهما الآخر ، فأما إذا سقط الأقل بالأكثر فإن ذلك مما لا يجب.
فإن قيل : فما قولكم فيمن استويا في حقه أكان يجب أن يثاب ويعاقب دفعة واحدة؟ قيل له إنهما لا يستويان ، ولا خلاف في ذلك بين أبي علي وبين أبي هاشم ، وإنما الخلاف في أن ذلك يعلم عقلا وسمعا أو لا يعلم إلا سمعا.
فعند أبي علي. أن ذلك يعلم عقلا وسمعا ، وقال أبو هاشم : لا يعلم إلا سمعا ، فإن الأمة أجمعت على أن لا دار غير الجنة والنار ، فلو تساوت طاعات المكلف ومعاصيه لكان لا يخلو حاله من أحد الأمرين : فإما أن يدخل النار وذلك ظلم ، وإما أن يدخل الجنة ثم لا يخلو حاله وقد دخل الجنة ، إما أن يثاب وذلك لا يجوز ، لأن إثابة من لا يستحق الثواب قبيح ، والله تعالى لا يفعل القبيح ، وإما أن يتفضل الله عليه