ذلك؟ قيل له : إنهم إنما يعلمون ذلك بعد الوقوع ، ونحن لا ننكر أن يعلموا ذلك بعد الوقوع.
فإن قيل : إذا علم بعد الوقوع أنها صغيرة قاس عليها مثلها فيكون مغرى على فعلها ، قلنا : إن ذلك لا يمكن ، لأن مثل الصغيرة يجوز أن يكون كبيرا ، على أن النبي إذا علم أن بعض ما قد استحقه من الثواب سقط وسيسقط بصغيرة أخرى بقدرها ، كان ذلك أقوى الصوارف له إلى أن يختار أمثاله ، فصح لك بهذه الجملة أن تعريف الصغائر مما لا يجوز على الله تعالى.
فإن قيل : لم جوزتم على الله تعالى ما هو شر من هذا ، وهو تعريف بعض المكلفين أنه يبقى مدة من الدهر ، وبشارة للبعض بالجنة ، وذلك نحو إخبار الله تعالى عليا عليهالسلام على لسان رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه يبقى إلى أن يقابل الناكثين والقاسطين والمارقين ، ونحو بشارته بالخير.
قيل له : إن الفرق بين المسألتين ظاهر ، فإن تعريف الصغائر موضوع للإغراء على ما وصفناه ، وليس هكذا الحال في تعريف البقاء والبشارة بالجنة لأنهما ليس بموضوعين للإغراء ، بل الحال في تعريف البقاء والبشارة بالجنة لأنهما ليس بموضوعين للإغراء ، بل الحال فيه يختلف بحسب اختلاف الأشخاص ، ففي الناس من يكون ذلك داعيا له إلى التكثير في العبادات وصارفا عن ارتكاب الفواحش ، ومنهم من يكون حاله بخلافه ، والله تعالى إنما يعرف ذلك من المعلوم من حاله أنه لا يدعو إلى قبيح بل يصرفه عنه إلى ما ذكرناه.
فإن قيل : كيف يمكن ادعاء أن ذلك ليس بموضوع للإغراء ، مع أنه ما من مكلف إلا ومتى علم أنه يبقى مائة سنة كان ذلك داعيا له إلى أن لا يتجنب المحارم رجاء أن يتوب في آخر عمره ويدخل الجنة.
قيل له : علمه بأنه يبقى إنما يدعوه إلى الاشتغال بالمناكير متى قطع على أنه لا يستفد بها البتة بل يثوب في آخر عمره لا محالة ، فأما ومن المجوز أن لا يتوب بأن يعرض عارض فيمنعه من التوبة ويحول بينه وبينها ، لم يكن ، بدعوة الداعي إلى شيء مما يستضر به في المستقبل على ما ظننتموه.
وأما البشارة بالجنة ، فإنه لا بد من أن يقطع على أنه إنما يكون من أهل الجنة