واعلم أن هاهنا أسماء أخر غير الإيمان ، نقلت من الاسم إلى الشرع ، والكلام في ذلك إنما يتضح إذا بينا جواز نقل الأسماء من اللغة إلى الشرع ، وأن ما هو جائز فهو ثابت.
أما الذي يدل على أن نقل الأسماء جائز ، هو ما قد ثبت أن أهل الشرع عقلوا معان لم يعقلها أهل اللغة ولا وضعوا لها أسماء ، فلا يمتنع أن ينتزع أهل الشرع من اللغة أسامي لما قد عرفوه بالشرع ، بل الحكمة تقتضي ذلك. وصار الحال فيه كالحال فيمن استحدث صناعة من الصناعات ولها آلات مختلفة ليس لها في اللغة أسماء تعرف بها ويقع التمييز بينها وبين غيرها ، فكما أن له أن يضع لكل واحد منها اسما ، بل الحكمة تقتضي ذلك ، كذلك هاهنا.
وأما الذي يدل على أن ما هو جائز فهو موجود ثابت فظاهر ، لأن الصلاة كان في الأصل عبارة عن الدعاء ، والآن صارت بالشرع اسما لهذه العبادة مشتملا على هذه الأركان المخصوصة ، وكذلك الصوم فقد كان في الأصل عبارة عن الإمساك ، والآن صار بالشرع اسما لإمساك مخصوص في وقت مخصوص ، وكذلك الزكاة كان في الأصل عبارة عن الزيادة والنماء والآن صار بالشرع اسما لإخراج قطعة من المال مخصوصة.
إذا ثبت هذا ، فإن قولنا مؤمن ، من الأسماء التي نقلت من اللغة إلى الشرع وصار بالشرع اسما لمن يستحق المدح والتعظيم.
وكما أن قولنا مؤمن ، جعل بالشرع اسما لمن يستحق التعظيم والإجلال ، فكذلك قولنا مسلم ، جعل بالشرع اسما لمن يستحق المدح والتعظيم حتى لا فرق بينهما إلا من جهة اللفظ.
والكلام في ذلك يقع في موضعين : أحدهما ، أن قولنا مسلم غير مبقي على ما كان عليه في الأصل ، والثاني ، أن الشرع جعله اسما لمن يستحق المدح والتعظيم.
أما الذي يدل على أنه غير مبقي على الأصل هو أنه لو كان مبقي على الأصل لكان يجوز إجراؤه على الكافر إذا انقاد للغير ، ومعلوم خلافه ، ولكان يجب أن لا يجري على النائم والساهي لأن الانقياد غير مقصود منهما ، ولكان يجب أن لا يسمى الآن بهذا الاسم إلا المشتغل به دون من سبق منه الإسلام.
ومتى قيل كذا ، نقول : قلنا : يلزم على هذا أن لا نسمي أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم الآن