ذلك ويندم عليه. وأما ما ذكره في الشاهد ، فإنما ذلك لأنه يصير به ممنوعا ملجأ ، حتى لو لم يصر ملجأ لكان الحال فيه كالحال فيما نحن بصدده.
وربما يحتج بوجه ثالث ، وهو قوله تعالى : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ) [التوبة : ٦٧] وهذا لا يدل على موضع الخلاف ، فإن أكثر ما فيه أن المنافق فاسق ، فمن أين أن الفاسق منافق وفيه وقع النزاع؟ ومن هاهنا قال بعض أصحابنا : إن ما اخترناه من المذهب مجمع عليه متفق ، فإن الناس على اختلافهم في صاحب الكبيرة وقول بعضهم إنه كافر ، وقول البعض إنه مؤمن ، وقول آخر إنه منافق ، لم يختلفوا في أنه فاسق ، فأخذنا نحن بالإجماع وتركنا لهم الخلاف ، وإلى هذا أشار الصاحب بقوله :
فالكل في تفسيقه موافق |
|
قولي إجماع وخصمي خارق |
وقد أعاد رحمهالله الكلام في الأسماء الدينية فأعدناها نحن ، ولا نخليها من فائدة جديدة إن شاء الله تعالى.
واعلم أن المكلف إما أن يستحق الثواب أو يستحق العقاب ، فإن استحق الثواب ، فإما أن يستحق الثواب العظيم أو يستحق ثوابا دون ذلك ، فإن استحق الثواب العظيم فلا يخلو ، إما أن يكون من بني آدم ، أو لا. فإن لم يكن من بني آدم سمي ملكا ، ويتبعه قولنا مقرب وما شابهه ، وإن كان من بني آدم سمي نبيا ويتبعه قولنا مختار ومصطفى ومجتبى وما يجري هذا المجرى ، فإن استحق ثوابا دون ذلك فإنه يسمى مؤمنا ، ويتبعه من الأسماء ما يقاربه نحو قولنا برّ تقيّ صالح إلى غير ذلك ، هذا في المستحق للثواب.
فأما المستحق للعقاب فلا يخلو ، إما أن يستحق العقاب العظيم ، أو يستحق عقابا دون ذلك. فإن استحق العقاب العظيم سمي كافرا ، ويتبعه من الأسماء نظائره ، نحو قولنا مشرك زنديق ملحد إلى غير ذلك. وإن استحق عقابا دون ذلك سمي فاسقا ، ويتبعه قولنا متهتك ملعون فاجر ، إلى غير ذلك. والغرض بتحقيق الكلام في هذه الأسماء وتكريرها ، هو أن يعلم أنه لا يجوز إجراؤها إلا على مستحقيها ، فلا يسمى صاحب الكبيرة مؤمنا ولا كافرا. وإذ قد عرفت ذلك من حال هذه الأسماء ، فقد وضح لك أنه لا يجوز إجراؤها إلا على المكلفين الذين يستحقون المدح والذم والثواب والعقاب دون من لا تكليف عليه البتة. وفارق الحال فيها الحال في الأسماء المشتقة ، نحو قولنا ضارب وشاتم وكاسر ، فإنه يجوز إجراؤها على المكلف وغير المكلف ،