غير أنها تنقسم إلى ما يختص المكلف ، وإلى ما يتعداه.
وما يختصه فينقسم إلى ما يقع به الاعتداد ، وإلى ما لا يقع به الاعتداد.
فأما ما يقع به الاعتداد ، فإن النهي عنه واجب من جهتي العقل والشرع جميعا ، أما من جهة العقل فلأنه يدفع عن نفسه بالنهي عنه الضرر ، ودفع الضرر عن النفس واجب ، وأما من جهة الشرع فلأن قوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) لم يفصل بين أن يكون هذا الضرر مما يختصه وبين أن يكون مما يتعداه.
وأما ما لا يقع به الاعتداد ، فذلك كأن يحاول أحدنا اغتصاب دانق من ماله وهو بمنزلة قارون في اليسار ، فإنه لا يجب النهي عنه إلا سمعا ، فأما من جهة العقل وهو غير مستضر به فلا يجب ، هذا فيما يختصه.
وأما ما يتعداه ، فإنه ينقسم إلى ما يقع به الاعتداد فيجب النهي عنه شرعا وعقلا إن لحق قلبه به مضض ، وإلى ما لا يقع به الاعتداد فلا يجب النهي عنه إلا شرعا ، وهذه بقية القول في هذا الفصل.
فصل
وقد أورد رحمهالله بعد هذه الجملة ، الكلام في أن المنكر إذا كان من باب الاعتقادات وكيفية النهي عنه ، ثم عطف عليه الكلام فيمن أراد التوبة عنه كيف يتوب. وهذا الفصل الأخير بباب التوبة أليق وبذلك الموضع أخص غير أنا لا نخالفه في ذلك بل نوافقه عليه.
وجملة القول في ذلك ، أنه لا فرق في باب المناكير بين أن تكون من أفعال القلوب ، وبين أن تكون من أفعال الجوارح في أنه يجب النهي عنها ، إذ النهي عنها إنما وجب لقبحها ، والقبح يعمها.
ومتى فصل بينها بأن أفعال القلوب مما لا يمكن الاطلاع عليها ، فذلك أمور مغيبة عنا ، وما هذا سبيله لا يجب النهي عنه.
قلنا : إن في أفعال القلوب ما يمكن الاطلاع عليه ، فقد علمنا من حال العلوية بغضهم لبني أمية واعتقادهم فيهم ، وكذلك فإنما نعلم ضرورة من حال من يدرس طول عمره مذهبا من المذاهب وينصره ويدعو الناس إليه ويبذل جهده فيه وفي الدعاء إليه أنه