والإمام إن لم يستطع أن يعيد إلى المجتمع الأحكام الإسلاميّة الّتي جاء بها الرسول بديلا عن اجتهادات الخلفاء ، فقد استطاع هو وثلّة من صحبه أن ينشروا بين المسلمين من حديث الرسول ما كان محظورا نشره قبل ذاك. فأنتجت هذه النهضة من الإمام عليّ وجماعته في نشر الحديث المحظور عن الرسول ، تيّارا فكريا مخالفا لما ألفه المسلمون زهاء خمس وعشرين سنة مدّة حكومة الخلفاء الثلاثة قبله ، وهذا ما أشار إليه سليم بن قيس حين قال لأمير المؤمنين :
«إنّي سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذر شيئا من تفسير القرآن وأحاديث عن نبيّ الله (ص) أنتم تخالفونهم فيها ، وتزعمون أن ذلك كلّه باطل ، أفترى الناس يكذبون على رسول الله متعمّدين ويفسّرون القرآن برأيهم ...؟».
كان ما سمعه سليم من سلمان وأبي ذر والمقداد وليس غيرهم قبل هذا ، بتكتّم ، وائتمان على سرّ ، ثمّ سمعه بعد ذلك من أمير المؤمنين وصحبه جهارا وفي غير سرّ من قبل مناشدة أمير المؤمنين الركبان في رحبة مسجد الكوفة : من سمع النبيّ يقول في غدير خم : (من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه) فليشهد. فقام اثنا عشر بدريا وشهدوا بذلك ، وما كشفه عن واقع الأمر في خطبته الشقشقية حين قال :
«أما والله لقد تقمّصها فلان ـ ابن أبي قحافة ـ وإنّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرّحى ، ينحدر عنّي السيل ولا يرقى إليّ الطير ، فسدلت دونها ثوبا ، وطويت عنها كشحا ، وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذّاء ، أو أصبر على طخية عمياء ، يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير ، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربّه ، فرأيت أنّ الصبر على هاتا أحجى ، فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى ، أرى تراثي نهبا حتّى مضى الأول لسبيله