أوّل الغدر! أين أمانكم؟ ثمّ أقبل على ابن الاشعث وقال له : إنّي أراك والله ستعجز عن أماني فهل عندك خير؟ تستطيع أن تبعث من عندك رجلا على لساني يبلغ حسينا فانّي لا أراه إلّا قد خرج إليكم اليوم مقبلا أو هو خارج غدا هو وأهل بيته ، وإن ما ترى من جزعي لذلك فيقول : انّ ابن عقيل بعثني إليك وهو في أيدي القوم أسير لا يرى أن يمسي حتى يقتل ، ارجع بأهل بيتك ولا يغرّك أهل الكوفة فإنّهم أصحاب أبيك الذي كان يتمنّى فراقهم بالموت أو القتل ، انّ أهل الكوفة قد كذبوك وكذبوني وليس لمكذوب رأي. فقال الأشعث : والله لأفعلنّ ولاعلمن ابن زياد انّي قد أمنتك.
وادخل مسلم على ابن زياد على تلك الحالة ، وجرت بينهما محاورة فقال له ابن زياد: لعمري لتقتلنّ.
قال : كذلك؟ قال : نعم. قال : فدعني أوص إلى بعض قومي. فنظر إلى جلساء عبيد الله وفيهم عمر بن سعد. فقال : يا عمر! انّ بيني وبينك قرابة ، ولي إليك حاجة ، وقد يجب لي عليك نجح حاجتي وهو سرّ ، فأبى أن يمكّنه من ذكرها. فقال له عبيد الله : لا تمتنع أن تنظر في حاجة ابن عمّك ، فقام معه فجلس حيث ينظر إليه ابن زياد فقال له : انّ عليّ بالكوفة دينا استدنته منذ قدمت الكوفة سبعمائة درهم فاقضها عنّي ، وانظر جثّتي فاستوهبها من ابن زياد فوارها ، وابعث إلى حسين من يردّه فانّي قد كتبت إليه أعلمه انّ الناس معه ولا أراه إلّا مقبلا. فأخبر ابن سعد ابن زياد بما قال مسلم فقال ابن زياد : انّه لا يخونك الأمين ولكن قد يؤتمن الخائن ، وأمر بمسلم أن يصعد به فوق القصر ويضرب عنقه. فقال لابن الاشعث : أما والله لو لا أنّك أمنتني ما استسلمت. قم بسيفك دوني فقد أخفرت ذمتك. فصعد به وهو يكبّر ويستغفر ويصلّي على ملائكة الله ورسله ويقول : اللهم احكم بيننا وبين قوم غرّونا وكذبونا وأذلّونا. واشرف به وضربت عنقه وأتبع جسده رأسه.