ومثال الثاني : ما إذا ادّعى أحد النبوّة بعد نبيّ الإسلام ، فإنّ هذه الدعوى كاذبة قطعا بحكم النقل المقطوع بثبوته عن نبيّ الإسلام وعن خلفائه المعصومين بأنّ نبوّته خاتمة النبوّات ، وإذا كانت الدعوى باطلة قطعا فما ذا يفيد الشاهد إذا أقامه المدّعي؟ ولا يجب على الله جلّ شأنه أن يبطل ذلك بعد حكم العقل باستحالة دعواه ، أو شهادة النقل ببطلانها.
هذا وقد يدعي أحد منصبا إلهيا ثمّ يأتي بشيء يعجز عنه غيره من البشر ويكون ذلك الشيء شاهدا على كذب المدّعى ، كما يروى أنّ «مسيلمة الكذّاب» تفل في بئر قليل الماء ليكثر ماؤها فغار جميع ما فيها من الماء ، وأنّه أمرّ يده على رءوس صبيان بني حنيفة وحنّكهم فأصاب القرع كلّ صبيّ مسح رأسه ، ولثغ كلّ صبيّ حنكه (١). فإذا ادّعى المدّعي بمثل هذا الشاهد لا يجب على الله أن يبطله ، فإنّ في هذا كفاية لإبطال دعواه ، ولا يسمّى ذلك معجزا في الاصطلاح (٢).
وقبل التطرّق إلى شيء مختصر من الإعجاز الموجود في القرآن الكريم ـ المعجزة الكبرى والدائميّة على مرّ العصور ـ لا بدّ أن نبيّن عدّة امور منها :
ا) شروط مفهوم المعجزات
قال قطب الدين الراونديّ : واعلم أنّ شروط مفهوم المعجزات امور :
١ ـ أن يعجز من مثله ، أو عمّا يقاربه المبعوث إليه وجنسه ، لأنّه لو قدر عليه ، أو واحد من جنسه في الحال لما دلّ على صدقه ، ووصيّ النبيّ عليهماالسلام حكمه حكمه.
٢ ـ أن يكون من فعل الله تعالى ، أو بأمره وتمكينه ، لأنّ المصدّق بالمعجز هو الله تعالى ، فلا بدّ أن يكون من جهته تعالى ، ما يصدق به النبيّ أو الوصيّ.
__________________
(١) انظر الكامل في التاريخ ٢ : ١٣٨.
(٢) انظر البيان في تفسير القرآن : ٣٢ ـ ٣٣.