فإن قيل : أيّهما أسرع تصديقا للمعجزة؟
قلنا : إنّ أسرع النّاس تصديقا لكلّ فنّ من الفنون هم أصحاب الفنّ أنفسهم ، فمثلا نلاحظ ذلك جليّا عند سحرة فرعون ، فهم أوّل من آمن بموسى عليهالسلام وبما جاء به ـ كما مرّ عليك ذلك في بحثنا هذا ـ وكذا مثلا في الاكتشافات العلميّة فإنّ أوّل من يصدّق بها هم أهل العلم والمعرفة ، وعلى ضوء ذلك فإنّ أسرع من يصدّق بالمعجزة هم العلماء ، لأنّ علماء أي صنعة هم أعرف بخصوصياتها ، وأكثر إحاطة بمزاياها ، فهم يميّزون بين ما يعجز البشر عن الإتيان بمثله وبين ما يمكنهم الإتيان بمثله ، ولذلك فالعلماء أسرع تصديقا بالمعجزة.
أمّا الجهّال فباب الشكّ عندهم مفتوح على مصراعيه ما داموا جهّالا بمبادئ الصنعة ، وما داموا يحتملون أنّ المدّعي قد اعتمد على مبادئ معلومة عند الخاصّة من أهل تلك الصنعة ، فيكونون متباطئين عن الإذعان (١).
مع القرآن الكريم المعجزة الخالدة
إنّ القرآن الكريم معجزة نبيّنا صلىاللهعليهوآله الخالدة الباقية إلى يوم القيامة ، وقولنا الباقية لأنّ معجزة كلّ نبيّ انقرضت بانقراضه ، أو دخلها التبديل أو التغيير كالكتب السماويّة الأخرى «التوراة والإنجيل والزبور». وهنا نتطرّق كما وعدناك في أوّل البحث إلى نظرة سريعة إلى إعجاز القرآن ، فنقول متوكّلين على البارئ عزوجل :
كان عند النبيّ صلىاللهعليهوآله أخبار الأوّلين والآخرين من ابتداء خلق الدنيا إلى انتهائها ، وأمر الجنّة والنار ، وذكر ما فيها على الوجه الذي صدّقه عليها أهل الكتاب ، ولم يكن صلىاللهعليهوآله قد تعلّم من أحد ، وما حضر عند أحد من الأحبار ، ولم يقرأ الكتاب ..
__________________
(١) انظر البيان في تفسير القرآن : ٣٨.