المستقبل القريب ـ ومن خلال التكامل الثقافي وانتشار وسائل الاتصال والحديثة والمتطورة ـ ستنحو تلك الثقافات والحضارات منحًى واحداً ، وستنضوي تحت خيمة واحدة في مجتمع واحد تحكمها ثقافة واحدة ورسالة واحدة ، وانّ الروح التي حثّت الإنسان وأخذت بيده لتشكيل مجتمعات صغيرة ومختلفة هي نفسها تأخذ بيده نحو الانسجام ونحو تشكيل مجتمع واحد.
ولقد ذكرت ـ وكما بيّنّا ـ لتفسير علّة ميل الإنسان نحو الحياة الاجتماعية العديد من النظريات ، فبعضها ذهب إلى أنّ ذلك وليد الميل نحو الاستعمار والاستغلال والمنفعة ؛ والأُخرى ذهبت إلى أنّ ذلك وليد الحسابات العقلية والفكرية للمصلحة والمنفعة دعته إلى انتهاج ذلك الطريق ، إذ أدرك وفقاً لتلك الحسابات العقلية انّه لا يتسنّى له الحياة الهانئة والطيّبة من دون أن ينظم إلى مجتمع ما ، وإلّا فإنّه يعجز بمفرده عن الاستفادة من تلك النعم واللّذات الموجودة في العالم.
ولكن النظرية الصحيحة والتي تبتني على أُسس علمية وتؤيدها الأدلّة الحسّية والعينية وكذلك تؤيّدها الآيات القرآنية والروايات الإسلامية ، هي النظرية التي ترى أنّ الإنسان «اجتماعي بالطبع» أي أنّ الميل للحياة اجتماعياً مخلوق في نفس الإنسان ومودع في فطرته.
انطلاقاً من هذه النظرية فإنّ روح الحياة الاجتماعية ـ وعلى مرّ التاريخ ـ تسير من البساطة إلى التكامل وستصل إلى مرحلة متطوّرة ومتكاملة اجتماعياً ، بحيث تندمج جميع الثقافات والحضارات والحكومات المختلفة والمجتمعات المتعدّدة في ثقافة وحضارة وحكومة واحدة ، وتوجد هناك إشارات من قريب أو بعيد لذلك في القرن العشرين.
ففي الوقت الذي نرى في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي انّ الميل